Image title


ما بين تخلّف نتائج الفكر الإسلامي كما يقول الصلابي حرفيا في كتابه [10]، وبين أخطار أفكار المجتمعات الغربية الإجتماعية والخلقية، والتي يخشى الصلابي الجيل القادم من رضاعتها ! ، يحاول الدكتور التوفيق ـ أم هو التلفيق ـ بين الفكرتين، في إجتهادات وصفها بالنوعية، وهي محاولات تحاول أن تنسب كل مفاهيم الحضارة الإنسانية الحديثة إلى الحضارة الإسلامية والإسلام، أو على الأقل تصوّر الأمر كأن لا تعارض بينهما.

فالدستور انشأ في المدينة، والدولة العلمانية ـ أقصد المدنية، من إختراعنا، والفصل بين السلطات هو تراثنا، اما المساواة فلم يسبقنا إليها أحد من الأمم، في شيء أشبه بعملية سطو فكرية ـ غير مسلحة ـ بطبيعة الحال.


ربّما يخيّل لكم أن كل هذا الخلط، وهذه الأفكار لا يمكن أن تنطلي على أحد، لكنها فكرة أساسية ومركزية عند كل تيار الإسلام السياسي، الذي يروّج لهذه المصطلحات الفنتازيو المسماة بالدولة المدنية الإسلامية، أو الدولة الإسلامية الحديثة، اليوم سنتعرف على طائر عنقاء آخر إسمه "المواطنة في الفكر الإسلامي".

يقول الصلابي في كتابه :

"تمتد جذور الوطن والمواطنة إلى آدم وزوجته عندما كانا يسكنان الجنة، ويأكلان منها رغداً حيث شاءا [22]، إلا أنه يقول أن الموطان في الدولة الحديثة المسلمة ينقسم إلى نوعين : مسلم فليس له ما يميزه عن إخوانه المسلمين غير مؤهلاته، غير مسلم ذو مواطنة منقوصة، أو حسب تعبير الصلابي المخفّف، "مواطنته تظل ذات خصوصية لا ترتفع إلا بدخول الإسلام"، والخصوصية حسب فكر الصلابي على سبيل المثال :

"محروما من حقوق يتمتع بها المسلم كتولي مواقع رئيسية في الدولة ذات مساس بهويتها .. الرئاسة العامة" [30].

ومع قسوة هذه الحقيقة التي لم يستطع الصلابي تجميلها، يلجأ إلى تبريرها بجملة تشكّل ثورة في عالم الحقوق حيث قال : مع ملاحظة أن الوظائف في الإسلام ليست حقوقاً للمواطن، وإنما هي أعباء وتكاليف !!

أما عن الحقوق السياسية لغير المسلمين فرغم إختلاف العلماء حسب قول الصلابي، لكنه يدعم حقهم في الترشح للبرلمان، والمشاركة في الحياة السياسية ، لكنه يضع لهم شروط وضوابط لمشاركتهم مع المسلمين "أبناء الوطن الواحد" !

وأهم هذه الشروط هو أن يكون لهم حد أقصى للتمثيل "عكس الكوتة"، أي أنه لا يزيد تمثيلهم عن حجمهم العددي مقارنة بنسبة السكان، وهو إخلال فادح بقيم المواطنة والفردانية المرتكزة عليها، بل هو أقرب لوصم عقائدي وتمييز مقصود لتحجيم أي رأي مخالف وإزالة خطره [ 152].

معلم آخر من معالم الدولة الحديثة المسلمية حسب تعبير الصلابي هو واجب التسامح الديني، لكنه يسترسل، والتسامح الديني ليس معناه بالطبع إتخاذ المواقف المتأرجحة بين الأديان، أو القول بأن الكل سواء فهو جهل أو نفاق [153].

وبهذا المنطق الإيماني ـ حسب تعبيره ـ يقول : وبحب الخير لجميع الناس، يتقدّم المسلم بعرض دينه أمام الجميع، ودعوتهم إليه دون فرضه على أحد، وهو ما يقصده الصلابي بالحقوق الفكرية وحرية التدين والعقيدة، لكن الصلابي في نفس الوقت لم يخبرنا عن رأيه لو أراد أتباع الديانات الأخرى عرض دينهم، في دولة المواطنة الإسلامية.

أما في مسألة المساواة أمام القانون، فيقول الصلابي أن جميع المواطنين طائفة واحدة بلا تمييز لأحدهم على الآخر في تطبيق القانون، ثم يستطرد، في النظام الإسلامي القانون هو الكتاب والسنّة، وليس في التشريع الإسلامي إمتياز على أساس الجنس أو اللون أو الدين ..ألخ. [167].

ورغم أن الصلابي يعترف بأصحاب الطوائف المختلفة بالإحتكام إلى شرائعها في قوانين الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والمواريث والوصايا، إلا أنه يؤكد أنه في مجال العقوبات يخضع جميع مواطني الدولة على إختلاف مستوياتهم لنظام العقوبة المطبق في الدولة ! ، فهل ستقطع يد السارق المسيحي لو سرق أيضاً حسب المثال المطروح !

يقول الصلابي أن من أهم ضمانات حقوق المواطنين في الدولة الحديثة المسلمة هي "ثبات المقررات الشرعية" ، وعدم تعديل الشرائع "لأنها شريعة منزلة من عند الله، وهي ميزة عن الدساتير والقوانين الأرضية رهينة التغيير بإرادة الشعب"، وأنا أتساءل هل جمود التشريعات وعدم تطوّرها مع الزمن ميزة حقاً أم عيب ؟!

والكتاب عموماً يدور في معظمه على قضية المواطنة والمساواة بين المسلم وما يسمّيه الصلابي الذمي، وهو ما فشل فيه كما هو واضح رغم الجهد المبذول، لكنه أيضاً لا يتطرّق إلى قضايا أخرى بذات الأهمية في إطروحته للمواطنة، وهي المواطنة بين الدينيين واللا دينيين، بين الرجل والمرأة، وبين كل حقوق الأقليات، وكل التوجهات الفكرية والجنسية المختلفة مما يشكل خلل وعوار كبير في هذا الطرح.

لكن بالمقابل، فهذا الخلل يبدو مفهوماً بشكل واضح، فمعظم إستشهاداته الدينية والتاريخية لا تنتمي لهذا العصر، فهو لا يملك إلا أدوات العصر الإسلامي القديم في إطار المشهد الإسلامي القديم الذي لم يكن يحتوي في مشهده إلا على مسلمين ومسيح ويهود وصابئة، وعبّاد الشمس والنجوم والأصنام !.


أحمد البخاري


للإستماع إلى البودكاست :  

تحت الغلاف : الصلابي وفكرة المواطنة.

[.] الأرقام التي بين قوسين تشير إلى رقم الصفحة المقتبس منها النص في الكتاب.