في بادئ الأمر , لا أعلم مالذي جاء بهذا البيت على رأس جيوش الأفكار التي حاصرتني وأنا أجهز نفسي لتسجيل الدخول في هذا المعترك الذي يسمونه التدوين.
فبقدر ماكان يؤلمني أحياناً تذكُّره في بعض المُلمّاتِ , إلا أنّ لساني لايبرح أن يلهج به حتى يخفف عني وطأة المُصابِ ومرارة المُشتكى.
كشخص لطالما حاول إسقاط هذا البيت على أحوال بلادنا وأحوالنا ( أسأل الله أن يعيننا على تغيير أنفسنا كي يتغير حالنا ), دائماً ما وجدت أن كل زواياه وحروفه تنطبق إنطباقاً قلّ نظيره على مايطرأ ومايُحاك ومايُراد لنا أن نصل إليه من حال تغشاه الحيرة ويختلط فيه الحابل بالنابل . حتى أصبح الواحد منا لايرى الأشياء كما هي عليه، ولم يعد يدري أحقيقة مايعيشه أم خيال!
لن أُسهب في التفاصيل أكثر كي لا أثقل على نفسي وعلى القارئ الكريم وسأترك الباب مفتوحاً متسلحاً بقول الشاعر :
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل.
والأن أتركك أيها القارئ مع تتمة الشعر في نظم رائع للشاعر إبراهيم المنذر:
يا أذن ما تشتكين اليوم يا أذني | أما كفى العين ما لاقت من المحن |
أما كفى دمعها الجاري وحمرتها | حتّى تزيدي بما تشكينه حزني |
كم مرّ فيك حديث ما أنست به | حتّى ولو كان من ذي حنكةٍ والوهن |
وكم عليل تذيب الصّدر أنته | أو مستغيث شديد البؤس والوهن |
وكم ثقيلٍ كوقع الصّخر منطقه | أو كالصّفاة الّتي تهوي من القنن |
وكم كذوب إذا أدّى روايته | ظننتها الحقّ من أسلوبه المرن |
يا أذن سمعاً فإنّ السّمع موهبةٌ | فلا تجودي بها يوماً بلا ثمن |
العلم علمان علمٌ يستضاء به | بين الأنام وعلم الشّر والفتن |
والشّعب شعبان شعبٌ ناهضٌ يقظ | حيّ وشعب حليف الذلّ والجبن |
والمرء صنفان هذا ضاحك طرباً | وذاك يبكي على الأطلال والدّمن |
سيّان في الشرق ذو عقلٍ ومختبلٍ | وعابد الله يحكي الوثن |
أمّا السّياسة فأرميها لمن رغبوا | فيها فإني أراها مصدر الإحن |
المال يعطى جزافاً للألى كذبوا | والنّفي والسجن حظّ الصّادق الفطن |
وكلّ ما نسقيه من جرائدنا | يمضي كأن الذي تروين لم يكن |
وكم دخيلٍ أتى مستجدياً فغدا | ربّ البلاد يقود الشّعب بالرّسن |
وإنّ ذاك الذّي يدعونه وطناً | عند الحقيقة أمسى ليس بالوطن |
قضى على مجده الأغراب واستلبوا | حياته ولقد لفّوه بالكفن |
لفّوه بالورق السّوري وانصرفوا | وغادروا دمعنا كالعارض الهتن |
كوني أيّا أذني صمّاء مغلقةً | إنّ السياسة متن المركب الخشن |
دعي إذ كار الذّي قد مرّ واستمعي | حلو الغناء تزيلي شدّة الشّجن |
عرفت ما بك من هم ومن ألمٍ | لكنّه مرّ مثل الحلم في الوسن |
أما سمعت نشيد المرّ منفرداً | كبلبل الرّوضة الشّادي على الغصن |
أو كالملاك الذّي في خدر خالقه | يسبح الله في سرٍ وفي علن |
إذا جرى صوته في أذن سامعه | كأنما هو يجري الرّوح في البدن |
تبارك الله باري الخلق أبدعه | مرّاً على ضده حلواً على الأذن |
تشنّفي بالغنا يا أذن وانصرفي | عمّا ترين تنالي منتهى المنن |
دعي السّياسة جنباً فهي مضنيةٌ | وانسي دواهي بلايا الدّهر والمحن |
يقضى على المرء في أيّام محنته | بأن يرى حسناً ماليس بالحسن |