والله تعالى إذن يمكن أن يأخذ الخاصة بأعمال العامة.

قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا).[صحيح البُخاري؛ برقم: 2493].

وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه فزعًا، وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج...»، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» [صحيح البُخاري : 7135].

ومن حديث قيس بن أبي حازم عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ خطبَ فقالَ : يا أيُّها النَّاسُ إنَّكم تقرَؤونَ هذِهِ الآيةَ ، وتضَعونَها علَى غيرِ ما وضعَها اللَّهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : إنَّ النَّاسَ إذا رأوا المُنكرَ بينَهُم ، فلَم يُنكِروهُ ، يوشِكُ أن يعُمَّهُمُ اللَّهُ بعقابِهِ .[مسند أحمد: الصفحة أو الرقم: 1/44].

قال المحدث أحمد شاكر رحمه الله تعالى : إسناده صحيح. [الموسوعة الحديثية].

وفي مسند الإمام أحمد أن عديًّا رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حديث عدي بن عميرة رضي اله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكروه؛ فإذا فعلوا؛ عذب الله العامة والخاصة).

انظر: ((المسند))(4/192)، ((مسند الشاميين من مسن الإمام أحمد))(2/765 و768)، ((المعجم الكبير))(17/138 و139)،((شرح السنة))(14/346)، ((الفتح))(13/4).

وحمل المؤاخذة على الدارين لمعتبر.

فيحمل العذاب على أنه عذاب دار الدنيا من نصب وابتلاء وضيق في المعاش واختبار بالأمراض وغيره، فلعل الناس أن يتوبوا، وعساهم أن يؤبوا.

قال الله  تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96].

وقال تعالى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112].

كما أن الجريرة مشمول بها عذاب الآخرة أيضا.

قال الله تعالى ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور:21].

وقال سبحانه ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [النحل:111].

ومنه فكل امريء مرتهن بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. وذلك يوم البعث والنشور، يوم أن يبعث الله تعالى عباده للحساب والجزاء، والله المستعان.

فدل إذن أن العذاب يقع على عبد اقترف ذنبا، وذلك في الدارين .

وأما من لم تقع منه جريرة ارتكاب الذنب، فإنه وإن كان مؤاخذا به في الدنيا، إلا أنه يبقى القول أن كلا مرتهن بعمله، وذلك اعتمادا على ما سبق من استدلال.

وقال الله تعالى ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾. [فاطر:18].

وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إذا أنزل الله بقوم عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم» [صحيح البُخاري؛ برقم: 7108].

وروى الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب جسمه، وتحركت أطرافه في منامه، فقالت: يا رسول الله! صنعت شيئًا في منامك لم تكن تفعله، فقال: «العجب: إن ناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم، فقلنا: يا رسول الله! إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم، فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم» [صحيح مسلم؛ برقم:2884].

وبحسب امرئ أن ينجو من عذاب الدنيا، ومن مشاركة المذنبين، حال أنه قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى وجهيهما - كما سبق - بحيث يتنبه إلى سبب لعن بني إسرائيل السالف ذكره، فتأمل!

ومنه فالحق أن أهله يزايلون قومهم، يوم ألا يستطيعوا تغييرا من حال فسادهم إلى حال صلاحهم. غير مكره، أو مضطر، على ما أنف بيانه.

والعاقل ينأى بذات نفسه عن المهالك.

ألم تر أن الله تعالى قد أزكي من سيرة فتية آمنوا بربهم؟!

ومنه فقد زادهم هدى، لما أن كان منهم مفاصلة لقومهم، وبراءة منهم، ومن شركهم معا.

قال الله تعالى ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ [الكهف:16]. 

قال الله تعالى ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. [الأنعام: 45].