مر شريط الذكريات كأنه قطار سريع يسير بأقصى سرعة؛ يأبى الوقوف متحديا الزمن بكل تجلياته وكأنه بنبأ فى صمت رهيب بقوته المخيفه ؛ ليشير إلى عجزها عن إسترجاع ما أخذته الأيام ، وجل ما تفعله هو النظر من خلف زجاج يشوبه بعض الضباب ؛ ليكون تأثير الذكريات كحاجز يمنع العقل ويوقفه أحيانا عن الحاضر ، بل و عن المستقبل أيضا. ترى خلف هذا الزجاج أشباه كل شئ وأنصاف كل شئ ، لا شئ مكتمل على الإطلاق وكأنها أشباح تلقى بظلالها على هذا القطار اللعين ، أو كطائر من العصور القديمه يخيم بمخالبه الحادة على قطار الذكريات، و يحجب الروية ليسود ظلام الماضى على المستقبل . أغمضت عينيها لبرهة من الزمن ، لتسترجع قواها أو لتهرب من شبكة عنكبوتية توشك أن تسقطها بشباكها لتكون فريسة بظلام دام عمرا بأكمله . ومن داخلها ينبع صوتا ينادى بقوة أنى بجوارك فقد كان يناديها باسماء لا أدرى كنيتها . إستيقظت من غفلتها لتبحث فى جنبات المكان عن مصدر ذلك الصوت ، فقد كان صوتا عذبا كعذوبة نهر الفرات ؛ ليبعث نبض من قلب الذكريات.