قلقٌ، ووجلٌ..
خائف، ومشتت..
شريد، وطريد..
حائر، وتائه
وهناك عمق من الفوضى في النفس، ووسط لجج الأحزان وانتظار الفرج تكون عليلًا من الداخل وإن كان مظهرك صحيح، ومن يراك يحسبك سربلت بسربال السعادة، لكنك سربلت بأغلالٍ من الضيق، من يراها يظنها سلاسلٍ من الذهب في ظاهرها الرحمة والسعادة وباطنها العذاب، هناك الألم العظيم في قلبك الصغير يفتك بجدرانه ويلوثه!
هُنالك يشتعل في النفس حديث، وليسَ هُنالك من يُخمده .. تطرق كل الأبواب بحثًا عن الدواء، فلا تزداد إلا إشتعالًا.. ويثقلون عليك بنظرتهم القاصرة، فتحمل أثقالًا مع أثقالك وتزيد الفوضى .. في نفسك، وبدلًا من أن يُرتِبُّوا معك فوضويتك العارمة، يبدأون ببناية جدرانٍ شاهقة، وسياجًا ليسجونك في مزيدٍ من الأحزان أكثر مما كانت قبلَ تدخُلهم، وإسعافهم!
وكُل ذلك ؛ لأنهم لم يُجربّوا الشعورَ ذاته ، أو لم يعيشوا الأسى ذاته .. فقد جهلوا ما تحمل واستخّفوا به ..
هُنا حدِّث نفسك .. حديثًا عميقًا، حدِّث نفسك عن اليقين لكي ينخنق الخناق، ويتسع الضيق
حدِّث نفسك بأنَّ الله وحدهُ من يُبصر شعورك الصعب ، ووحدهُ القادِر على تسيير العسير لأن تسيير العسير عليه يسيير وإن كَبُرت،
فعلى الله صغيرة فالله الذي رفَع السماء بِلا عمد وبسط الأرض ويسر الأرزاق واستجاب الدعوات للكافر وهو يسيئ الأدب معه وينكر وحدانيته أفيعجزهُ هذا الهمَّ الدنيء؟ أفيعجزه تفريج الكرب، وهو الذي يبدئ ويعيد؟
ثمَّ بعد كُل هذهِ الفوضى ، ردد اسم الله الواسع وقل لنفسك أتضيق على قلبي وهو يؤمن باسمه الواسع، أم يغلق الباب في وجهي وهو الفتاح؟ أم يمنع ما عنده واسمه الجواد؟
ثم اضرب علىٰ قلبك بعزم وقل "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)"
هنا تبسط بساط الفرج حيثُ ارتحلت نفسك من ضيق الأفق وضيق الرؤيا إلى علام الغيوب
هنا تنتقل النفس إلى "اتسَّاع"، وتنجح في اختبار وضعه الله في أول كتابه "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)" ايمانك بما خلف جُدر الغيب، ما تعجز أنت عن رؤيته هنا!
حاشاه ربُك أن يضيع إيمانك وثقتك به وحسن ظنك في الجبر وانقشاع الهم والغم
هنا قد حل النور .. بعدَ كُلِّ هذا الظلام الدامِس، وما النور إلا بالله الذي نوره نور السماوات والأرض
فيستقر في النفس أن الخلق لاينفعون ولا يضرون وأنّ اللجوء للخالق وطَلب العون منه .. لا يُضاهيه أيَّ لجوء، وأيَّ بَوح لأيِ مخلوق في هذهِ الدُنيا .. ولو كانَ ذا مقدِرة لن ينفعك إلا بإذن الله، فلاتظنن أن تفريجك لكرب أحدهم يومًا منك فالله هو الذي أراد، ولاتأملن من الخلق نصره فالله هو النصير
فأكثِر الحديث معه في سرائك وضرائك فالله هو الذي خلق تلك النفس وهو الذي يميتها ويحييها ويمنعها ويعطيها والسلام 🌿