الكتابة تستجمع الفكر، وتمنحنا فرصة مراجعته، لكن ارتجال الحديث يبقى المهارة الأصعب والأكثر قدرة على استحضار كل مهاراتنا الفكرية لربطها بمشاعرنا ومزجها بنكهة أرواحنا و تلوينها بنبرة الصوت وطبقته الأكثر قدرة على التأثير والإقناع.⁩

عندما تعتاد كتابة خواطرك تتولد لديك رغبة ملحة في الكتابة يصعب عليك مقاومتها، وما أن تتولد تلك الخواطر في ذهنك إلا وأضرمت فيك ثورة للبوح لاتخمد إلا عندما تكتبها بلا شعور، لتعود إلى مراقبتها من الخارج، أو من بعيد كأي قارئ لا يعرفك.

⁩أجمل ما في الكتابة أنك خلالها تخلق لنفسك محاورا يساعدك على الوصول إلى أعمق نقطة ممكنة من التصور و الإفهام...

‏ولذلك تتوقف براعتك في الكتابة على قدرتك على التنقل بين ذاتك و الآخر بداخلك و المراقب لكما في الخارج..⁩

لطالما أحببت الكتابة بالأقلام الملونة؛

فلكل لون نبرة، ولكل لون روح ورائحة،

لكنها جميعا لاتطاوعني في الكتابة على الورق المصقول أو المصطبغ بلونها،

وكلما زادت عليها وطأة الضغوط راحت تصر صريرا يشبه غناء ⁩طير حبيس!

إننا نكتب لنتنفس...

نكتب لنحيا...

نكتب عندما لايكون بمقدورنا فعل أي شيء آخر غير الكتابة...

نكتب عندما تكون الكتابة أضعف الإيمان...

نكتب بلا حيلة غير الكتابة

نطلق خلالها ضجيج صمتنا..

نرتب المبعثر من مشاعرنا..

نصنع من رماد مشاعرنا حبرا ناطقا يعيد توهجها ..

نكتب بلا صوت صرخات مدوية ترتعب منها الحروف و ترتعد الكلمات..

وحينا نكتب ضحكات تتراقص معها الحروف و تتمايل الكلمات في زهو وكأنما ترتدي ثياب عيد الفطر بعد صيام من الصمت،

أو كأنما تذبح أضحية فداء لفرح كادت تذبحه رؤيا حزينة..

نكتب لنرتوي..

نكتب لنشبع ..

لنمتلىء بالنشوة و نحلق على أجنحة الحرف في فضاء الروح مع نجوم الخيال وبين سماوات الأمل ..

شكرا للغة الصامتة عندما تبتر ورما خبيثا يدب في أحشاء الروح

شكرا للكتابة ترياق الروح..

و بلسم الأمل ..

تذكرنا أن نقول شكرا لكل أشيائنا الجميلة التي وقفت تواسينا و جاءت تصحبنا في رحلة الاستشفاء..

يمكنك إجبار نفسك على كل شيء إلا الكتابة عن مشاعرك وأفكارك عندما لاتكون موجودة.

فالكتابة..

بلا إلهام مجرد رص كلمات بلامعنى أو روح، ميتة خاوية من الحس والفكر..

وقد تأتي فكرة فلا تجد شكلا مناسبا، فتظل طريقها بين دهاليز الذهن، تتخبط، تتعثر، تتأوه، تعتصر قاموس الكلمات فلا يقطر منه إلا الصمت.

إن ما يكتبه الآخرون بأسلوبهم يظهر لك نوعية فكرهم .. فيتميز لديك الفكر العميق من السطحي، و الدقيق الواضح من المتخبط المشوش، والذي لا يملك أي فكر، ويخفق حتى في نقل أفكار الآخرين بشكل صحيح وواضح يدل على تبنيه لها أو نقده إياها...

كثرة القراءة والتحدث والسماع لاتكفي لتظهر قدراتنا الإبداعية في التفكير وتنظيم الأفكار ...

الكتابة وحدها و ممارستها بشكل مكثف هي من يمكنه ذلك ...

إنها تجعلنا نفهم كيف نفكر وكيف نعبر عن أفكارنا بطريقة أمثل ...

من جديد اقول...

أجمل مافي الكتابة أنها تسجل لحظات من العمر نعود لها بعد حين لنرى كيف كنا وأين صرنا ..

نعود لنحاكم تلك اللحظة بلحظتنا ..

نعود لنقول لما كتبناه أننا شفينا، أو نسينا أو تجاهلنا تلك اللحظة المؤلمة التي كتبناك فيها

أو لنقول أننا كبرنا و نضجنا و لم تعد تلك الكلمات ملهية لنا ..

لم تعد تلك الكتابات سوى تاريخ جميل نضحك عليه ونتعجب كيف كنا هناك يوما ما؟!

وتبقى الكتابة أجمل أنواع التنفس ..

و الخيال أكثرها رقيا ..

و الابتسامة أكثرها سهولة وعذوبة..

والصدق أكثرها نقاء..

و الاحترام أن تتنفس لنفسك وبنفسك ومع نفسك فقط فلا أحد يحيا بأنفاسك غيرك ..

أرواحنا تتغذى على الكتابة

و تستشفي بالكتابة

نكتب لنقول لأنفسنا أننا مازلنا هنا..

مازلنا نتنفس ونشعر ونحلم ونتخيل..

الكتابة شهادة حضور ..

ربما حملت شارة البدء،

ولكنها لاتعرف أين تكون النهاية ..

أحيانا تحتم علينا الحياة الكتابة باللون الأسود، ولكنها تترك لنا حق اختيار الخلفية المناسبة للعرض، لذلك فإن اختيارنا الخلفيات الوردية لا يعني أن العرض جميل فحسب ، بل ومزدهر أيضا ...

أحيانا تكون الكتابة صمت صاخب يحمل الكثير من المعاني التي نختار قراءتها بناء على رؤيتنا الداخلية..

وكثيرا ما يكون الكلام صوت أجوف ، لا تترجمه المعاني وإنما ملامح قد تكون ظاهرة جلية

وقد تكون خفية أو مناقضة لمعانيها الحرفية.

الكتابة أنفاس لا تعود ..

أنفاسنا ننفثها في وجه حياتنا الصاخبة التي نستنشق فيها الألم ممزوجا بالأمل

‏الكتابة فضاء الروح،مسرح الفكر،أكسجين القلب،وهي أيضا غذاء ودواء لأجساد أنهكتها الغربة وأعياها طول السفر.

‏⁧ #حنان_اللحيدان ⁩