مشروع إسقاط وطن وتفتيت أمة !
بين الوطنية والوطنجية
يُدرج في لغة مواقع التواصل استعمال سمات لغوية تعكس مضامين معينة، كـ إلحاق "الجيم والياء" بالصفة للدلالة على زيفها، فيقال "ليبرالجي" لمدعي الليبرالية و"إسلامجي" لمدعي الإسلام بشعارات تزعم احتكار الإنتماء بينما صاحبها أبعد ما يكون عن أسس ومبادئ تلك الانتماءات، وعلى ذلك صار يستعمل مصطلح "وطنجي" للإشارة لتلك الفئة التي تتسلق على شعار الوطنية وهي أبعد ما يكون عن الوطنية الحقه ،
فالوطنية - لو رجعنا لتأصيل مفهومها- هي تعبير وجداني عن الارتباط العاطفي للفرد بأرض ميلاده ونشأته وما تحتضنه من هوية ومجتمع وتاريخ ، وبالتالي ذاك الارتباط الفطري يدفعه إلى الرغبة في إصلاح وبناء وإعمار وحماية تلك الأرض "الوطن".
أما الوطنجية فهي مفهوم مستحدث أخذ من الوطنية شعارها فقط ونسف مبادئها وحرف أسسها فحصرها في فكر محدد وولاء معين ووصاية مرسومة تخوّن كل من يحيد عنها؛
فغلّب العنصرية على الإنتماء، وكراهية المختلف على حب الوطن ، والصراعات على الإصلاحات ، وصناعة الأعداء على الإعمار والبناء، فغلبت الفتن على نهضة الوطن.
ما بين المفهومين باختصار
هو ما بين الفطرة والفتنة ..
********************************
تحليل الفكر الوطنجي
يتلخص الفكر الوطنجي ببساطه في مفهوم "الشوفينية chauvinism" وكأنك حين تتعرف على مصطلح الشوفينية ترى العقلية الوطنجية أمامك بكل تفاصيلها،
فما هي الشوفينية، وما دوافعها النفسية؟
تعرف الشوفينية بأنها المغالاة والتعصب الغير عقلاني في التحزب لشيء ما " شخص- حزب- بلد- فكر" والعنجهية في التعامل مع خلافه،
وتعود تسميتها ل "نيكولا شوفان" الذي كان جندي في جيش نابليون واشتهر بكونه مدافعاً شرساً عن نابليون و نظامه ومتهجماً على كل من يعارضه بدون أي منطق أو تعقل ، رغم تكبده الكثير من الاضرار جراء المعارك التي يقوم بها جيش نابليون لأطماع النظام،
من هنا اتسمت ظاهرة العنجهية و الدفاع الغير عقلاني عن أي نظام أو فكره أو كيان مع مهاجمة كل مختلف عنه بالـ ( الشوفينية ). وقد استعمل المصطلح لوصف الافكار الفاشية والنازية في أوروبا،
وأما التحليل النفسي لحالة الشوفينية فتقريباً يتمحور في ثلاثة مراحل:
١- الخطر المتصور. الخوف من الخطر يمكن أن يكون مصدرا لرد الفعل الاندفاعي المتطرف تجاه كل مختلف، حيث أن بعض العقول ترى في الاختلاف إخلالاً بمنظومة الكيان المتشابة الموحد الذي تراه أساساً لاستمرار الأمان، وأي اخلال بتلك المنظومه متمثلاً في "اختلاف أو تغيير أو نقد" يمكن أن يشكل تهديداً متصوراً- أقول متصوراً لا محتملاً- لأن ذاك الخطر في الحقيقة موجود في عقل الخائف كرد فعل متأثر برغبات وقناعات يتبناها من محيطه وقد لا يكون تهديداً في الواقع، فالخوف هنا يصنف تحت الخوف الغير عقلاني، الذي يجعل صاحبه يستبق ويفاقم ما قد ينتظره بدلا من التثبت والتخطيط والتقييم.
٢- الإنتماء المُحتَكَر . وأما الانتماء المُحتَكَر فهو ليس إلا امتداد لمرحلة الخوف من الخطر، فالشخص يرى في انتماءه للكيان الذي يشبهه على آلية محددة أحادية المصدر هو السبيل الوحيد للأمان ، فيتم احتكار مفهوم الإنتماء بتلك الآلية وبالتالي تتشكل حدود الولاء والخيانه في نطاقات ضيقه دون مرجعية منطقية موزونه.
٣-المطلقية. وهي امتداد لنتائج احتكار الانتماء، حيث أن التخوف من الحكم على ثغرات ناقدة في آراء المنتمي على أنها خيانه تدفعه لا شعورياً إلى تبني المطلقية، أي الاعتقاد المطلق بأن كيانه على الحق المطلق ليأمن انتماءه، وبذلك لا مجال لقبول الاختلاف ولا النقد ولا المراجعة، وهنا تكمن خطورة الفكر ويبرز تطرفه، حيث يتشرب حينها العقل الباطن تلك المطلقية فيرفض أي شكل من أشكال العقلانية التي قد تصحح بعض معتقداته أوتلهمه بالاعتدال مع مخالفيه.
********************************
أساليب ترويج الفكر الوطنجي:
هناك أساليب عدة استند عليها الفكر الوطنجي لتطبيع وترويج توجهه، منها:
🔺١-تشكيل الصورة النمطية وتعتبر من أبرز أدوات تغذية الفكر الوطنجي،. ويقصد بالصورة النمطية: الحكم الصادر على فئة معينة على أساس فكرة مسبقة ترسخت في ذهن المتلقي حولها ، فيقوم بإلباسها صفة العمومية ويحولها لحقيقة مطلقة. كاتهام شعب أو جنسية محدده بالسوء، أو داعية أو مفكر معين بالإرهاب والخيانة، على سبيل المثال. وهكذا ترمى التهم لأهداف مدروسه ثم تُغذى بتقنية خلق الصورة النمطية.
ومن أدوات تشكيل الصورة النمطية:
١-التكرار، وهو أقوى أدواتها، حيث يتم تكرار صورة معينة حول المستهدف وتكرار كل ما يدعم تلك الصورة -حتى لو تخلله الكذب والتحريف وظهر بلغة ضعيفة- فبمجرد الاستمرار في التكرار تنغرس الصورة لا شعورياً في ذهن المتلقي ويتشربها اللاوعي.
٢- تضخيم الشواذ، ويكون عادةً بانتقاء شواذ الأحداث التي تدعم الصورة وإبرازها كظواهر .
٣- استغلال العوارض، من يمارس تشكيل الصورة النمطية لا يمكن أن يغفل عن أي حدث عارض يمكن أن يدعم صورته، لذا فاستغلال أي حدث ولو كان بسيط أو فردي للترويج لصورة نمطية حول فئة ما هو أحد تقنيات نجاحها وإظهاره كدليل يدين من ينكرها.
٤- التزييف والتحريف، تزييف وتحريف الحقائق عن طريق تغييبها/ فبركتها/اجتزاءها في سبيل تغذية الصورة النمطية المطلوبة من أبرز أدوات التيارات الفكرية الهدامة حيث لا مكان بين أجندتها لمبادئ الصدق والأمانة .
هذا الأسلوب- تشكيل صورة نمطية- من أبرز ما يستعمله الوطنجية لتغذية عداواتهم وصراعاتهم تجاه فئات وشعوب مختاره، فنرى -على سبيل المثال- كيف استطاع الوطنجية خلق صورة نمطية في أذهان شريحة ليس قليلة بأن الفلسطيني هو شخص حاقد-ناكر للمعروف-بائع لأرضه الخ، ويلاحظ تكرار مثل تلك التهم واستغلال أي حدث فردي أو صغير لتغذية تلك الصورة، رغم أن التهم السلبية نستطيع استنباطها من أي شعب في العالم لو طبقنا أساليب الصورة النمطية عليه، إلا أن انتقاءات الوطنجية في اختلاق الأعداء تنم عن أهداف معينة تفيد أجندتهم التي جعلت أولى قضاياها عزل شعبنا عن قضايا الأمة الاسلامية وقتل مبدأ الأخوة الإسلامية -العدو الأول للوطنجية-.
🔺٢- التسلق على القضايا العادلة
أول ما يلجأ له أي منهج منحرف يسعى لغزو العقول هو أن يبني لنفسه حصناً يخفي به سوءته، وذاك الحصن المزيف يتمثل في التسلق على القضايا العادله، فحين يرفع صاحب الفكر المنحرف شعار قضية عادله في الواجهه، سيكسب تبعية فقراء الوعي بسرعة أكبر، بل سيصبح في يده سلاحين، الترغيب والترهيب، فمن لم يفتتن بشعارات القضية خاف من اتهامات خيانة تلك القضية، فإلم تكن مع الوطنجي فأنت خائن لوطنك، وان لم تكن مع الداعشي فأنت خائن للاسلام، وان لم تكوني مع النسوية فأنتي خائنة لحقوق المرأة، وهكذا يستعملون سلاح الترهيب لإخضاعك حين يفشل سلاح جاذبية شعاراتهم لكسب تبعيتك.
🔺٣- مقصلة التخوين
التخوين ذاك السلاح الذي يستعمله من تفلس عقولهم عن مواجهة أصحاب الفكر المستقل ، يسمى سلاح الجبناء والأغبياء لأنه لا يتطلب تفكير أو تفسير أو منطق أو شجاعة ، كل ما يحتاجه صوت عالي ومنبر مسيطر وقطيع مصفق وحشو لاسم الوطن ومن ثم القاء التهمة،
ثقل تلك التهمة وتبعاتها يخلق جواً من الارهاب الفكري حتى يصبح الجمهور تابعاً خاضعاً صامتاً رهبة من حد هذا السلاح، هذه المقصلة تجعل الكثير يقولون مالا يريدون أن يقولوه ويصمتون عن ما لا يريدون أن يصمتوا عنه حفاظاً على رقابهم من مقصلة التخوين، في الحقيقة لا أرى سلاحاً في يد الوطنجية أبرز من هذا السلاح.
*******************************
سمات الوطنجية الجدد:
🔺أعزة على المسلمين أذلة على الكافرين ذاك الوطنجي الذي يتعلل بالكرامة وعزة النفس حين تسألة عن سر كراهيته وهجومه على الشعوب المسلمة، هو نفسه من يشرب كؤوس الذل والإهانات من الأمريكي والاسرائيلي والأوروبي ويتقبلها بكل خضوع ويبررها بكل ترحاب،
وذلك لأن مقياس الاحترام والتسامح عند المهزوم نفسياً هو بقدر القوة المادية لدى الآخر لا بالروابط الدينية أو المبادئ الاخلاقية،
🔺الإسلام المجزأ الوطنجي هو ذاك الذي يؤمن بلا إله إلا الله، وحين تذكره بقول الله "إنما المؤمنون إخوة" وقول رسوله ﷺ "مثل المؤمنين في توادهم كمثل الجسد الواحد" وقوله تعالى "وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر" تولى عنك إلى صنم سايس بيكو ليحتكم إليه، ثم يسمي نفسه مسلم،. يصيح :لا شأن لنا بالقدس والأقصى ثم يسمي نفسه مسلم، يعلن: لا شأن لنا بضحايا مظلمة الشام ثم يسمي نفسه مسلم، يحرض ضد ضحايا مذابح بورما متهماً جراحهم، منزعجاً من أنينهم، داعياً لخذلانهم ثم يسمي نفسه مسلم ،،،
لنتسائل بعدها حول عقيدة هؤلاء، فلا يظهر إلا إسلام مُجزأ مُنتَقى محكوم بحدود سايس بيكو بدل حدود الله.
🔺العنصرية العمياء الوافد نصف إنسان ، متهم حتى تثبت براءته، التنمر ضده واجب وطني، وتعميم المساوئ في حقه تصرف منطقي، ومحاولة إنصافه تجردك من وطنيتك، هو سبب البطالة و الفقر والجرائم والتلوث وربما حرارة الجو،
كراهية وعنصرية لا تعرف حدوداً نظامية ولا اخلاقية ولا انسانية، معللين عنصريتهم بالمصلحة الوطنية وكأنهم لم يرو كيف بنيت معظم الدول المتقدمه والصناعية على أيدي عاملة وافده ومهاجره بما لا يتناقض مع مصالح المواطن وحقوقه، في الحقيقة، لا يوجد بلد يقصي عنه كل مختلف إلا بلد لا ينوي النهوض.
🔺لا مكان للقيم والمروءة التوجه الوطنجي رغم ادعاءه الولاء للوطن إلا أن أول لبنات هدمها في طريقه هي قيم ذاك الوطن،
يدعون الدفاع عن جسده بينما يفرغون روحه!
فالاخلاق والمروءه والأخوة الإسلامية والشهامة العربية التي نشأت عليها جذور هذا الشعب أسقطت بل أبيدت على يد الفكر الوطنجي، والشماته والمنه والعنصرية والبذاءه في سبيل وطن تقوم مبادئ شعبه ودينه وهويته على رفضها، أصبحت سمة للوطنية لديهم،
فكر دخيل لا يشبهنا غرسوه على الحدود وتفاخروا به وراهنوا عليه لرفع شأن الوطن، وتناسوا أنما الأوطان هي الأخلاق ما بقيت ،، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا !
********************************
الضحية
ضحية الوطنجية ليست الشعوب المسلمه ولا قضاياها ولا الفئات الوافدة ولا حقوقها ولا الأمة الإسلامية ولا بقاءها ، فتلك أهداف يرشقها الوطنجي من بعيد وربما يخدشها لكن لا يهدمها، لكن الخطورة في أن يهدم المنصة التي يرشق منها،
ضحية الوطنجية هو الوطن الذي يتكلمون باسمه ويرشقون الغير باسمه ويمارسون السقوط باسمه، حتى يفرغوه من قيمه وهيبته وسمعته وتأثيره ومكانته ليصبح جسداً بلا روح ، بل وذاك الرشق قد ينقلب يوماً إلى تراشق داخل حدود هذا الوطن، فمن عادى اخ له بسبب جنسية سيعادي غداً أخاً له بسبب قبيلته ومنطقته ومدينته وأصوله!!
فمنهج بلا مبادئ مرسومه تحده عن المروق هو مثل عجلة مندفعة بلا مكابح ستصطدم يوماً آخذةً معها الكثير من الضحايا!
********************************
سلاح الوعي
في هذا الزمن، ومع احتكار المنابر الإعلامية وسيطرة مواقع التواصل على العقول، أصبح لكل فِكر مستجد فرصة سانحة لـ إقتياد الرأي العام مستعملاً الأساليب المختلفة لفرض قبوله ،وليس أمام المتلقي إلا الخضوع والتبني ما دام أعزلاً من سلاح الوعي، "الوعي " هو السلاح الذي يعتقل الفكر ليحاكمه ويحكم عليه بالقبول أو البطلان، الوعي هو الذي يجرد الحقيقة من التزييف والتحريف فتظهر أمامك كما هي فلا تَظلِم ولا تُظلَم، الوعي هو حجر العثرة أمام ذاك العدو الذي يسعى لاستعمال ابناءنا ضد ديننا وأوطاننا.
( الوعي ثم الوعي ثم الوعي )
هو الحائط المتين لـ ضد مدفعية الهدم بعون الله