كنا اطفال صغار بالقرية نلهو ونلعب بين دفات الطرق الضيقة والساحات التي ترعى بها قطعان من النعاج والمعز ، وكنا نتعجب أشد العجب حين نرى بعضها يقضم ورقات الصحف القديمة التي يلقيها جارنا بعد قرائتها بجوار باب بيته، ونضحك أشد الضحك من تلك النعاج وهي تتمتع بقضم وهضم اوراق الجرائد حتى آخر صفحة منها!!.
لم نكن ندرك وقتها ونحن أطفال في العاشرة او الثانية عشر من العمر أن مصدر اوراق الصحف هو لحاء الشجر، وأن الماعز والنعاج تتمتع بأكلها كما يتمتع أحدنا بوجبته الشهية، لم نفهم بعد أن مصدر اوراق الصحف الأساسي هو لحاء شجرة تم قطعها من جذورها وتبعها قطع شجر وشجر وشجر، كل ذلك من أجل صناعة الورق الذي تطبع عليه الصحف والمجلات والكتب.
اليوم بعد أن كبرنا أدركنا أن هناك أكثر من خمسة وسبعون الف شجرة تقطع طوال العام بكل أنحاء المعمورة من أجل الطباعة بكل أشكالها واستخدام الورق في الصناعة. نعم أكثر من 75000 شجرة تدمر كل عام من أجل نشر المطبوعات التي تراها حولك بكل مكان والعبوات الكرتونية والمناديل الورقية وصناعة الأثاث وغير ذلك.
لماذا علينا أن لا نقطع جذوع الأشجار؟
منذ الأزل والأشجار توفر لنا خاصتين من أساسيات الحياة، الغذاء والأوكسجين. ومع تطورنا، قدمت الأشجار لنا العديد من ضروريات الحياة الإضافية مثل المأوى والدواء والأدوات والكثير غير ذلك ،و لا تزال قيمتها وأهميتها اليوم في إزياد ويجري اكتشاف المزيد من فوائد الأشجار مع توسع دورها لتلبية احتياجات الناشئة عن أنماط حياتنا الحديثة.
في بداية القرن العشرين تنبهت البشرية إلي أن كمية الأشجار التي تقطع بكل عام من أجل الحصول على الورق قد تجاوز الحدود وأن الأمر بات يشكل تهديداً حقيقياً للبيئة ولذا ُأتُخِذت بعض التدابير للحد من استنزاف التحطيب وقطع جذوع الأشجار للحصول على لحائها فأستنبطت حلول أساسية وأخرى جذرية ، فأما الأساسية فكانت في تدوير ومعالجة الورق المستخدم Recycling وإعادة تصنيعه وتلاحظ اليوم علامة او شعار إعادة التصنيع على كثير من علب المواد الغذائية كالحيب ومشتقاته. ومن الحلول الأساسية إستخدام الفايبرجلاس في صناعة الأثاث عوضاً عن الخشب الطبيعي او بتبطينه داخل قطع من الخشب المعالج او صناعة عجينة تحوي نشارة الخشب والفايبرجلاس للتوفير في استخدام الخشب الحر والحد من إستهلاكه. وأيضاً من الحلول الأساسية الاشراف المباشر على رعاية وإعادة زراعة الأشجار المستخدم اليافها في إنتاج المناديل الورقية. تبنت هذة الفكرة شركة كمبرلي كلارك المصنعّة لمناديل كلينيكس الشهيرة والتي تفخر بوضع العبارة التالية على مغلف كل عبوة من الخارج (مناديل كلينكس مصنوعة من الياف شجر الصنوبر والتي تم الاشراف على زراعتها حفاظاً على البيئة). وهي المناديل الوحيدة التي ينصح بها أطباء الحساسية مرضاهم المصابين بحساسية الجيوب الأنفيه لأنها مصنوعة من مواد طبيعية لا تنشر الغبار كما هو الحال في بقية المناديل المعاد تصنيعها او المصنوعة من لحاء نشارة الخشب.
وأما الحلول الجذرية والتي ساهمت بنسبة قليلة في البداية ولكنها ما لبثت وأن أخذت في الازدياد فكانت في إستثمار التقنية المعاصرة والتحول إلي تخزين الوثائق والمستندات في صيغ رقمية.
مع إطلالة الألفية الجديدة نحت شركة أرامكو إلي التحول لحفظ وتخزين ملفات موظفيها إلي صيغ الكترونية eDocuments وخصصت لذلك فريق متخصص من دائرة الموارد البشرية لمسح وتصوير مستندات ووثائق كل ملف من ملفات موظفيها فتحولت كافة الملفات إلي صيغ رقمية وضربت الشركة عصفورين بحجر واحد، التخلص من التخزين الورقي لحماية البيئة، وإعطاء الصلاحية لمدراء الأقسام في الاطلاع على ملفات موظفيهم وتحديثها عن بعد عبر الشبكة الداخلية للانترنت. أيضاً فتحت الشركة مكتبة رقمية لموظيفها وعائلاتهم بالحي السكني.
ومع دخول عام 2005 بدأت تنتشر الصحف والمجلات والكتب الرقيمة وهذا الحال فتح الباب على مصراعية للنشر الالكتروني.
ما فائدة التوثيق الالكتروني؟
لم تكن شركة أرامكو الوحيدة التي تحولت للتوثيق الإلكتروني أو حفظ المستندات والوثائق في أرشيف رقمي بجهاز الكمبيوتر والتوقف عن الأرشفة الورقية التقليدية بل إن موضوع الأرشفة الرقمية تحول من الشركات الكبرى إلي الأفراد العاديين مثلي ومثلك، فظهرت تطبيقات متخصصة لتحويل الوثائق من صفتها الورقية إلي صيغ رقمية لسببين: الإحتفاظ بنسخة إحتياطية من الوثائق، والتخلص من الورق للوثائق التي لا حاجة اليها.أشهر هذه التطبيقات هو تطبيق Paperless حيث تتوفر منه إصدارات للويندوز و الماك وهو تطبيق يوفر قاعدة بيانات ممتازة مع دعم للغة العربية.
لماذا عليك أن تتحول للأرشفة الرقمية؟
بما أنك رب أسرة ورزقك الله بالبنين والبنات فهناك عدد لا بأس به من شهادات الأبناء والبنات، وهناك وثائق شخصية تخصك وتخص عائلتك مثل البطاقات الشخصية وجوازات السفر وصكوك رسمية وغير ذلك، ولو أنك تمعنت جيداً في الموضوع لوجدت أنه فعلاً هناك الكثير من الوثائق والمستندات الشخصية التي تحتفظ ببعضها ويحتفظ أفراد أسرتك ببعضها الآخر وربما هناك بعض المستندات لا تدري أين هي أو أين وضعتها وتبحث عنها كثيراً حين الحاجة اليها. هنا يأتي دورالأرشفة الرقمية، فالتطبيق يحتفظ بكل مستنداتك ويصنفها في ملفات رقمية حسب رغبتك، فمثلاَ يكون هناك ملف رقمي بأسمك وآخر باسم زوجتك وثالث ورابع وخامس بأسماء كل أبن أو أبنه ويصف التطبيق مستندات كل فرد من أفراد العائلة داخل ملفه وكل ماعليك فعله هو ذكر اسم المستند ليستخرجه لك من قاعدة بياناته بضغطة زر. ويقدم لك خيارات واسعة للطباعة او نسخ صوره منه او ارسالها بالبريد الالكتروني او من خلال الأي ماسج في الماك او ارسالها إلي الهاتف الجوال أو الآيباد. وهذة الفائدة العظمى للأرشفة الإلكترونية لن تدركها إلا عند محاولة البحث عن مستند او وثيقة تهمك.
أمازون تفتح باب القراءة الرقمية على مصراعيه
أشتهرت شركة أمازون بالولايات المتحدة الأمريكية بإصدار ونشر وتوزيع الكتب الإنجليزية على مستوى عالمي ، فأي كتاب إنجليزي في أي تخصص تجده حتماً متوفر بأمازون ويمكنك طلب شحنه مباشرة لأي موقع بالعالم. في عام 2007 أصدرت أمازون قارئها الشهير (الكندل) وتبعته بحملة إعلانية واسعة وحققت من خلاله مالم تحققه أي شركة أخرى في مجال التحول للقراءة الرقمية.
ما سبب إستثمار أمازون في الكندل؟
لقد قرأت كثير من التقارير والنشرات التي تتحدث عن تخصيص أمازون لميزانية محددة لتصنيع وتطوير جهاز الكندل ولا يعود السبب للتكسب المادي كما قد يتبادر للذهن بقدر ما يعود إلي أمرين على قدر من الأهمية، لحماية البيئة من جهة، ولتخفيف العبئ على المستخدم من جهة ثانية. فأما فيما يخص حماية البيئة، فإن التقارير تشير إلي أزدياد عمليات التحطيب لإنتاج الصناعات الورقية المختلفة وفي مقدمتها الطباعة بكل أشكالها ولك أن تتخيل أن أكثر من 76848 شجرة تُجَز كل عام بكل أنحاء المعمورة للحصول على لحائها واليافها لإنتاج الورق ولصناعة الأثاث، ولا يتوقف الأمر هنا ، بل يساهم ايضاً في التلوث البيئي بعد استخدام الورق وتحوله للنفايات. فالصحف والمجلات على سبيل المثال يتم إعادة تدوير جزء يسير منها وأما الجزء الأكبر فيتم التخلص منه عبر حرقه ، وهكذا مع بقية النفايات الورقية والمواد الأخرى مما يساهم في تلوث الهواء من جهة وفي تدمير الغلاف الجوي من جهة أخرى.
واما فيما يخص تخفيف العبئ على مستخدم جهاز الكندل فإن الجهاز مخصص للقراءة فقط ويمكن أن تحمّل عليه مئات الكتب ووزنه يتجاوز المئة غرام بقليل بينما لو أنك حملت أنت بيدك خمسة كتب لما استطعت أن تبقى حاملاً لها لفترة طويلة.
أنتجت أمازون عدة أجيال من قارئها الالكتروني وكان أشهرها ما أطلقت عليه اسم Paperwhite وترجمتها بالعربية "بياض الورق" حيث أن شاشة هذا الجهاز تختلف كلياً عن شاشة اي جهاز لوحي Tablet لأنها معززة بالحبر الالكتروني وهي تقنية مخصصة للقراءة طوّرتها امازون خصيصاً لهذا الجهاز وما شابهه، فالأشعة المنبعثة من الشاشة تنعكس لداخلها عوضاً عن إنبعاثها للخارج فيظهر سطح الشاشة كما تظهر عليه صفحة الكتاب تماماً دون وهج يبهر العين.
ولأن هذا الجهاز لا يقدم غير القراءة الالكترونية للتركيز على القراءة دون مقاطعة تنبيهات الرسائل او البريد الالكتروني ونحوها، ولأن البعض يفضل القراءة والترفيه جنباً لجنب فقد أنتجت أمازون جيل آخر من قارئها يختلف كلياً عن هذا النوع وأطلقت عليه Kindle Fire وتعني "الكندل الناري" وهو جهاز لا يختلف كثيراً عن الأجهزة اللوحية المتداولة ذات الشاشات الملونة ولكنه يتفوق عليها في صغر حجمه (حجم شاشتة 6 بوصات) وخفة وزنة من جانب وارتباطه مباشرة بمتجر امازون من جانب آخر وهذا يعني أن المستخدم لا يحتاج إلي متصفح للأنترنت للشراء او تنزيل الكتب من موقع امازون بل عبر شاشة الناري مباشرة ولهذا أطلق عليه مسمى "الناري".
أيضاً يتميز هذا الجهاز بنظام أندرويد مع دعم اندرويد للغة العربية وهو الحافز الذي يجذب المستخدمين العرب اليه خصوصاً وإن أمازون أضافت ميزة لوحة الكتابة العربية اليه وهذة المميزات لا تتوفر في جهاز "بياض الورق" فهو غير مدعوم بالعربية ولا تتوفر به لوحة مفاتيح عربية ولتزويده بكتب عربية عليك أن تقرأها في صيغة pdf او تحويلها للصيغ التي يتعامل بها الكندل وعملية التحويل مضنية.
مكتبة جرير تنظم للقراءة الرقمية .. ولكن !!.
اشتهرت مكتبة جرير بترجمة الكتب التي تصدرت قائمة الأكثر مبيعاً بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ولاقت نجاحاً في الأقبال عليها خصوصاً كتب التطوير الذاتي والأقتصاد والمبيعات والصحة وعلم النفس وغيرها. كانت ترجمة الكتب تتم حرفياً لكسب الوقت في مسايرة إصدار الكتاب المترجم للعربية بنفس او مايقارب تاريخ إصدار قرينه الأصلي، وهذا النوع من الترجمة لا يعطي الكتاب حقه لضعفها من جانب ولعدم مطابقتها لبيئة عادات وتقاليد المنطقة العربية. ثم ما لبثت وأن نحت جرير إلي أسلوب الترجمة بتصرف، وهذا النوع من الترجمة يكون أكثر مصداقية من الترجمة الحرفية لأن المترجم هنا - وهو بطبيعة الحال عربي - يترجم حسب فهمه كناطق بلسان الضاد وحسب توافق النصوص لتقاليد وعادات البيئة العربية.
كانت كتب مكتبة جرير لاتتوفر إلا بمكتبات جرير ذاتها او عبر بعض الموزعين مما اعاق إنتشارها ولذا اتخذت الشركة خطوة جيدة في تحويل كتبها إلي صيغ رقمية مع توفير قارئ مخصص لها. كانت خطوة مباركة ولكنها اتسمت بالجشع المادي ، فالكتاب الورقي يمر بعدة نواحي لإخراجه إلي النور مثل الحصول على موافقة المؤلف لترجمة الكتاب إلي العربية شرط دفع جزء من ارباح مبيعات الكتب له حسب العقد المبرم بين الطرفين، ومثل دفع تكاليف الترجمة للمترجم، ودفع تكاليف الحصول على حق الطباعة من وزارة الاعلام، ودفع تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع وما يليه. ولهذا تجد أن كتب مكتبة جرير باهضة الثمن ، فأنت في الواقع تساهم في الدفع لكل هؤلا مقابل الكتاب الذي تقرأُه من حيث لا تدري.
في المقابل تسحب منك جرير نفس الثمن الذي تدفعه للكتاب الورقي عند شرائك الكتاب الرقمي المخصص لقارئ جرير مع أن إصدار الكتاب الرقمي يتم فقط عبر تصويره بجهاز السكانر وتحويله تقنياً من صيغته الورقية إلي صيغة رقمية بضغطة زر!!.
لهذا السبب عزف الناس عن تحميل قارئ جرير بأجهزتهم، ومازاد الطين بله أن جرير تتدعي أنها تقدم كتب مجانية بينما هي تسحب كتب مكتبة هنداوي لتضعها على قارئها بصفة مجانية .. تباً لهم!!.
أول قارئ رقمي داعم للعربية وبواجهة عربية
إخيراً ، إنك تساهم في الحفاظ على البيئة وإنقاذ كثير من الأشجار حتى دون أن تعلم عند تحولك للقراءة الرقمية ولا يتوقف الحال على الكتب فقط بل حتى الصحف والمجلات يمكن قرائتها رقمياً ، فموقع Pressreader على سبيل المثال يقدم اكثر من خمسة الاف مطبوعة بكل اللغات ومن ضمنها العربية بإشتراك شهري قدره 29.95 دولار، ولو أنك مثلا تقرأ كل يوم خمسة صحف ورقية، فإنك تدفع مقابلها 450 ريالً كل شهر وهو مبلغ يزيد كثيرا عن اشتراكك الشهري وقراءة اكثر منها ومعاناة التخلص من الورق بعد قرائتها عبر موقع Pressreader .
كن منظماً وحافظ على البيئة وتحول للقراءة الرقمية من اليوم تنجز وتفيد نفسك وتفيد البيئة من حولك.
علم من الكتاب