عبارة حق أرادوا بها باطل!


ناقصات عقل ودين  


عبارة مقتطعة من حديث صحيح للرسول عليه السلام  
أصبحت أداة يستعملها البعض لدعم أهداف ذاتيه لا تمت لسياق الحديث وغايته بصله !
أنا بينَ جَهَلة يستعملونها لهدف الاستنقاص من المرأة ! 

و متزندقة يستعملونها لهدف الطعن في الدين وتصويره خصيم للمرأة !!


أصبح الطابع السلبي هو المتسيد فِ تصوير هذه العبارة حتى تبناها العوام على تلك الصورة !لدرجة أن بعض من يستعملها لا يعرف أصلاً باقي سياق الحديث ولم يسبق له قراءته !!! 

مجرد تقليد أعمى بتكرار العبارة على ذاك المفهوم القاصر دون محاولة الإطلاع على الأصل


وعلى ذلك قررت توضيح معنى العبارة بـ ردِها إلى أصلها وسياقها :


" قراءة الحديث كاملاً "  


من يستعمل عبارة "ناقصات عقل ودين" فعليه أن يذكر الحديث كاملاً ،  لأن المعنى مرتبط بما قبله وما بعده، فمن يقرأ العبارة بشكلها المقتطع سيتوهم أن الحديث ذُكر لغاية الإخبار بنقصان المرأة وهذا غير صحيح، فأول خطوة لفهم العبارة استعراض كامل الحديث :


روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله قال( يا معشر النساء، تصدقن، وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن. قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين. )


ومن قراءة كامل الحديث يتضح لنا ما يلي:


١ / غاية الحديث


يبدأ الحديث بنصيحة: "تصدقن وأكثرن الاستغفار" وما تبعه هو استطراد وتوضيحات ، إذاً فمحور هذا الحديث وهدفه الأساس "النصح والتحذير" لا "التقليل من المرأة" أو الإخبار بنقصها كما يحاول البعض تحويره.
*****************


٢ /  عبارة "فإني رأيتكن أكثر أهل النار"


- هذه عبارة إخبار لا قرار !

     فالرسول ﷺ هنا يخبر عن ما رآه في ليلة الإسراء والمعراج حين أطلعه الله على علم الغيب وشاهد أصحاب النار حيث ظهر له أن عدد النساء فيها يغلب عدد الرجال،                                                              فهو هنا يخبر بما رأى حول مصائر الخلق بعد أن يجازى كل إنسان بأفعاله بميزان عدل الله،                      فالعبارة من باب الإخبار بحقيقة لهدف التحذير، وليس من باب التقرير والحكم على أغلب النساء بدخول النار.


- كون النساء أكثر أهل النار لا يتناقض مع كون المجرمين والعصاة من الرجال مصيرهم النار !

بل أشد العذاب في جهنم قد كُتب على فرعون وملأه وجلهم من الرجال

وكل مذنب رجلاً أو امرأة سيجازون على ذنوبهم بشكل متساوٍ دون أي تفرقة في الحساب والجزاء.                                     وكون عدد النساء يغلب فسببه يعود ل "سلوكيات" تفعلها غالباً المرأه أكثر من الرجل وليس لـ

"جنس المرأة"

وهذه السلوكيات ذكر بعضها رسول الله على سبيل الإنذار لأنها تبدو هينه وهي عند الله عظيمه: كإنكار المعروف بعد طول عشره !

وكثرة اللعن !

ولا يعني أن فعلها من قبل الرجل لا يستوجب عقابه ولكن لأن الواقع يقرر أن النساء غالباً أكثر من يفعلها فجاء التحذير منها موجهاً لهن،                                    مثلما جاء التحذير من " القذف" موجهاً للرجال لأنهم أكثر من يفعله "إن الذين يرمون المحصنات ... الآية".   *************


٣ / قوله : "وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن"


فمن يتأمل هذه العباره سيعي أنها جاءت على سبيل المباسطة "أي الملاطفة"

بالتعجب من قدرة النساء على سلب"عقول الرجال"

حتى ذوي الذكاء !

وفي روايه "الرجل الحازم" وما ذُكرت عبارة ناقصات عقل ودين إلا تمهيداً لوصف تلك القدرة التي أوتينها،    


 كأن تقول لأحد متعجباً من قدراته التي تفوق قدرته (قصير ويأتي منك كل هذا الذي يعجز عنه الآخرون)

فالقصر هنا وصف ظاهري لا يمنع الإنجاز

ولكن ذكره جاء على سبيل المباسطة للمبالغة في التأكيد على قدراته


إذاً فالعبارة هنا لا تعني الانتقاص من المرأة بمقدار ما تعني التأكيد على قوة سلطانها على الرجال


وفي هذا التأكيد قد يتجلى أحد أسباب غلبة عددهن في النار

فكون للمرأة سلطان على الرجل حتى :

ذو اللب "أي ذو الذكاء والحكمة"

فيعني قدرتها على التأثير فيه وفي سلوكه !

ومتى كانت سبباً لذهاب لبه حتى يقول أو يفعل مالا ينبغي فذلك قد يجعلها تبوء بإثمه وإثمها معاً.                                                     *******************


٤ / و أما قوله "ناقصات عقل"


فوضحه رسول الله ﷺ لكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، إشارة لقوله تعالى في آية الدَّين : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)


فالنقص هنا يعود إلى نقص شهادة المرأة في :

معاملات الديون، لكون ضبط المرأة فيها أقل من الرجل.


واختُلف في تحديد المقصود من علة الضلالة في قوله "أن تضل إحداهما"                                                  فهناك من فسر معناها أنها " بطبيعتها أكثر نسياناً" وهناك من فسر معناها بأنها "في هذه الأمور أقل إلماماً" 


وقد ذكر الشيخ الشعراوي في تفسيره للآية جامعاً بين المعنيين بقوله:                                                        "لأن الأصل في فكر المرأة أنه غير مشغول بالمجتمع الاقتصادي الذي يحيط بها، فقد تضل أو تنسى إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وتتدارس كلتاهما هذا الموقف، لأنه ليس من واجب المرأة الاحتكاك بجمهرة الناس وبخاصة ما يتصل بالأعمال"‬.


وقيل، لأن المرأة تغلب عاطفتها على عقلها فذلك يؤثر على شهادتها في الخصومات


 ومن ذلك نتسائل:                                                                      هل عبارة "ناقصات عقل" تعني النقص في القدرات العقلية للمرأة بالعموم
أي أن تركيبة عقلها أنقص من تركيبة عقل الرجل؟


 من يتدبر الحديث بل ونظرة الدين في عمومها سيجد أن هذا الفهم لا يستوي للأسباب الآتية:


( لو كان معنى ناقصات عقل أي أن عقلهن ذاته ناقص لذكر ذلك رسول الله ﷺ في بيان السبب ولم يحصر سبب العبارة في شهادة الدَّين فقط. لكن حصره النقص في الشهادة جاء بشكل واضح في قوله "فهذا نقصان العقل"  ،                                                   والعقل قد يُذكر بمعناه المجازي لا الذاتي فيطلق على المعرفة والذاكرة والإلمام العلمي، فكلها مصدرها العقل واحتمال نقص أحدها لا يعني نقص القدرة العقلية في العموم)


(ذكر الحديث أن امرأة منهن "جزلة" ناقشت الرسول. والجزلة: هي ذات العقل والرأي، فكيف تكون هذه ناقصة عقل، وذات عقل في نفس الوقت؟ سيكون بذلك تناقضاً في سرد الحديث. ومعلومٌ أن ناقلي الحديث من أصله هم الأدعى لمعرفة معناه ومغزاه)


(لو كانت نقص شهادة المرأة تعني نقص قدراتها العقلية بحيث لا يُعتبَر بمخرجاتها وحدها، لكان الأولى رد رواياتها للأحاديث إن كانت وحدها، إلا أنه يؤخذ بروايتها كالرجل متى كانت ثقة. مع أن نقل الدين أوجب للإحتياط من الشهادة على الأموال)


(لو كان الدين يرى نقص عقل المرأة في العموم لما ساوى بينها وبين الرجل في التكليف والحساب والجزاء والحدود! فالدين لا يحاسب الطفل ولا المجنون ولا يكلفهم لنقصان عقلهم حقيقة، بينما يحاسب المرأة كالرجل لتمام عقلها في العموم)


***************


٥ / وأما قوله "ناقصات دين"


فقد وضحه رسول الله ﷺ بالنقص في أداء التكاليف التي ألزمها الله كالصلاة والصوم لعذر الحيض، وهو نقص في " الكم لا الكيف" و لا تأثم عليه، 


مثل الرجل الذي لا يملك مالاً يخرج منه الزكاة المفروضة، فهو بذلك يكون أقل كماً في أداء تكاليف الدين من الذي يملك إخراج زكاته، ولا يأثم الأول لذلك ولا يلام عليه ولا يعتبر مذمة شرعية في حقه .


إذاً فنقص الدين في هذه العبارة لا يعني نقص التدين ولا نقص العلم بالدين أو نقص الالتزام به، وإنما نقص في "كم" أداء السلوكيات المفروضة لعذر شرعي .. لذا فهذه المقولة لم تأتِ  على سبيل المذمة بل على سبيل وصف ظاهر الواقع ✔️


**********************


الخلاصة يا قوم / 

 "غاية حديث "ناقصات عقل ودين"

النصح والتحذير لا الإستنقاص والتحقير


كون النساء أكثر أهل النار هو خَبر علمه الرسول فأخبر به "وليس قراراً منه أو حكماً حكم عليهن به لجنسهن"


عبارة ناقصات عقل ودين جاءت في سياق

تعجب لا مذمة!

لا يصح استعمال عبارة 'ناقصات عقل ودين'

( لهدف الاحتقار للمرأة والتعالي عليها )

لأن هذا فيه تحريف لمغزى بيان رسول الله -

المهم : لا يصح الاستدلال بعبارة ناقصات عقل على نقص قدرات المرأة العقلية لكون تخصيص 'عدم ضبط الشهادة' لا يعكس ذاك التعميم في المعنى .
***************          


ختاماً و أخراً و ليسَ أخيراً /

دائماً ما يرى الإنسان الأمور"بنظرة قاصرة"

متأثرة بمحيط زمانه ومكانه !

ونادراً ما يستطيع أن يرى الأمور بتجرد .. لذا لا يمكن أن نُخضِع أي من مخرجات الخالق الكامل لرأي البشر الناقص بل إن الاعتقاد المطلق بعدالة الله وعصمة وعدالة نبيه ﷺجزء لا يتجزأ من الإيمان والشك بأن الله قد يظلم أحداً من خلقه ظن يتنافى مع الإيمان،


لِذا العِبرة من هذا  المقال : 

ليس لإرضاء فئة

أو لتمييع قواعد شرعية

فكل ما جاء من الله ورسوله هو "حق وعدل مطلق"،                                                      و إنما" التوضيح لمواجهة إشكالات في الفهم " قد يستغلها منتفعون بفتح باب من أبواب الفتنة !
فكان دوري هنا "رد الأمور لأصولها وتوضيحها "على ما يظهر من لغتها لا على ما تشتهيه أهواؤنا .


- انتهى .