Image title





السّلاح الحقيقيّ الذي يمتلكه البشر هو الصّحة، الجسديّة والنفسيّة والعقليّة والرّوحيّة والعاطفيّة ، ولا شكّ في أنّه مع مرور الوقت تبدأ خلايا الإنسان بالتآكل وهجران العافية، وتهرم هذه الأنسجة الضعيفة وتضمحل في سن متأخرة من الحياة؛ لذا فالمحافظة عليها في مراحل مبكرة أشبه بأمّ ترعى طفلها في كلّ يوم وفي كلّ دقيقة حتى في كلّ ثانية .

وقد كرم الله الانسان وخلقه في أحسن صورة: من عقل راجح، وبيان فصيح، وإرادة متينة، وقدرة على تحقيق ما يبتغيه من هذه الحياة، قال تعالى : " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " سورة التين ٤

ولأنّه متميّز بدقّة ذلك الجسد، الذي يحتوي على مجموعة أجهزة مترابطة بعضها ببعض؛ فأيّ خلل في عضو يؤثّر على باقي الأعضاء، لذا لا بد من أن يعترض المرض والعجز طريقنا، ويرصد التّعب والألم دروبنا، خصوصا في ظلّ الظروف المُرهقة والحياة الشّاقة، التي ينبغي أن يسعى الإنسان فيها لنيل رزقه والاستمرار في العيش .

وبناء على ذلك تلحقه المسؤولية الكاملة لحماية هذه النعمة التي وهبه الله إياها، فلا بدّ أن يأخذ الحيطة والحذر لحفظ ذلك الجسد، ويكمن ذلك من خلال التّوازن بين العوامل التي يصنعها هو، كممارسة التّمارين والأنشطة الرياضيّة، والنّوم المنتظم، والغذاء الصّحيّ النّظيف، الذي يحتوي على جميع العناصر الغذائيّة اللازمة، والعمل في بيئة آمنة تضمن له هواء نقيًّا، والبعد عن كلّ ما يجلب الأزمات النفسيّة، وتجنّب كلّ ما يضعف الحواسّ أو يعطّل العقل، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ): "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه".

ولهذا دور أساسيّ في الانتقال من مرحلة الى أخرى بسلام، ولا يعني ذلك الخلوّ من الأمراض، إنّما يعني السيطرة والتخفيف من شدّة الاعراض المرافقة لها، من خلال خلق مناعة ذاتية تزيد من قوة البُنية الجسديّة .

ذلك ليصل إلى آخر مراحل حياته وأدقّها وأضعفها، ألا وهي "مرحلة الشيخوخة"، التي بدورها تتطلّب صحّة نفسية تفوق الجسدية، والتي تعدّ من أصعب المراحل التي تطرق باب البيوت، ولا تخلو عائلة من رجل او امرأة مسنة تتطلّب عناية خاصّة، وكأنّ الانسان يعود الى بداياته في مرحلة الطفولة.

فأنت وأنا وهي وهو وكثيرون سنصل إليها وسنتذوق تفاصيلها العسيرة، سيضعف النّظر والسّمع ، وتبدأ الملامح بالضمور، وتزيد تجاعيد الوجه، ويبدأ الشّيب بتوزيع نفسه كما يشاء... وتضعف الذاكرة "النَسَاوَة"، ثمّ تبدأ بالانفصال عن واقعها رويدا رويدا حتى تتعب منه؛ فتفارقه وتصبح فقط متمسكةً بالأمور العالقة في مخيلته، التي تعيده إلى بوصلة الحياة من جديد، وهذا أمر يتفاوت من شخص الى آخر، ولربما الكثير منهم لا يمرّون بغزوّ النّسيان .

و قد حرصت الشرائع السّماويّة، وبخاصة الإسلام على تعامل فَرِيد مع كبير السنّ يتَّسم بالرحمة والحنان والتوقير، وكم حثّنا على رعايتهم ونيل رضاهم والرّفق بهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا فليس منا"، لذا كان من حقه الدّعاء له، وإحسان خطابه، والمعاملة الحسنة، والرعاية الفائقة، فشاعت بيننا حقيقة "كما تدين تدان" لتكون وازعا آخر في معاملة كبار السّنّ، فلا بدّ من أن يأتي يوم تصبح به مُسِّنًا، عاجزًا عن فعل الأمور المحببة إليك، أو عن تدبير شؤون نفسك، التي كنت تعتاد القيام بها في تلك السّنوات الراحلة، عندها ستحتاج رعاية الآخرين وعنايتهم، فيحين وقت قضاء الدين، فإن كنت قدّمت خيرا ستجده حاضرا أمام ناظريك، وإلا فلا تلومنّ إلا نفسك .

لذا دعونا نصل إلى محطّاتنا الحياتية أو نمرّ بها آمنين بسلام، دون خوف من ضياع أو توجّس من إهمال، سنمضي مع الأعمار التي ستكون مجرد أرقام مكتوبة في بطاقاتنا، ولكنّها أيضا أعمال مُدَوَّنة في سجلاتنا نحاسب عليها، سنمضي ويمضي ذلك العمر عسى أن نصنع حياة للحياة، وأن نعيش جمال التفاصيل، وأن نتذكّر دائما بأن الصّحة نعمة، وأنّ نعم الله لا تعدّ ولا تحصى .