وماكان ربك نسيًا فالدواوين محفوظة، والأعمال مكتوبة، وما كنت تخاله يفوت عند الله لايموت، وما كنت تظنه سرًا سيصير-يومًا-جهرًا، وقد خاب من حمل ظلمًا، وقد خاب من ظلم نفسًا
وسيؤتى بك يوم النشور لتُسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير، وإن كان مثقال من ذرة فعند ربك لاتضيع، وهناك يشتري الله الأنفس الصالحة بالجنة لمن يبيع، وتكشف السرائر ويفتح صندوق الصدور ويكون كلُ فعلٍ مسطور، وكل عمل يكون منشور
وتعرف كل نفسٍ ما فعلت وكيف ظلمت، ويوفى كل مخلوقٍ الحساب فينَّعم أهل الثواب في جنات ونهَر، ويجعل الذين ظلموا في سقر، فيامن ظننت أنك حين ظلمت انتصرت كنت كمن شرب السم بالعسل، حتى إذا جاءه الأجل وجد الله عنده فوفاه حسابه، ففاق من سكرته وأدرك فعلته، فواسفاه قد فات وقت العمل وجاءك الأجل، فلاتوبة تنفع، ولانفس ترجع!
ويامن ظننت أن الستر من الله مكرمة فسقطت في الاستدارك، فصرت في فتنتك كمن يتخبطه الشيطان من المس!
ويامن ظننت الإفساد على الخلق بالتذاكي عليهم وبسط سلطان شهوتك واظهار سطوتك، والسخرية منهم لا تعلم كيف هو عسر حسابك عند القوي العزيز، وكيف يسخر الله من أمثالك!
ويامن ظننت أن لسانك وجلدك الذي قلت بهما بهتنًا لن يشهدا عليك ويتحرقان بك الحجيم، فأعلم أنك المسكين!
وأول ماينطق جلدك ليلقي بك في النار بفعلك!
ويامن عشت باللئم وبالمكر غدًا تبعث بالفقر!
فلاتظنن أن الذي صَمت يوم أن وقعت عليه المظلمة كان ضعيفًا
بل كان يفوض القوي! فلاتأمنن مكر الله فإن الله قوي!
ولاتظنن أن رصيدك من الستر لاينفذ فإن الله يمهل ولايهمل!
ولا تظنن أن من يزين لك بغيك ويشاركك فعلك وقبحك معك! بل غدًا يفرون منك ويتنكرون لك ثم يلعن بعضكم بعضًا!
فإلى الديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم.
فالفائز في الدنيا من رفع كفه لمولاه وجعل نفسه لله بغية رضاه و رغبةٍ له فيما عند الله..
وما الدين إلا بتوقير الله، وحسن التعبد له والتمسك بطاعاته، ورفع الأكف بالدعاء
كقول الشافعي
"ورب ظلوم كفيت بحربه... فَأَوْقَعَهُ الْمَقْدُورُ أيَّ وُقُوعِ
فما كان لي الإسلام إلا تعبدًا... وَأدْعِيَة ً لا تُتَّقَى بِدُرُوعِ
وَحَسْبُكَ أنْ يَنْجُو الظَّلُومُ وَخَلْفَهُ... سِهَامُ دُعَاءٍ مِنْ قِسِيٍّ رُكُوعِ
مُرَيِّشَة ً بالْهُدْبِ مِنْ كُلِّ سَاهِر... منهلة أطرافها بدموع"
فيا_ ياعبد الله_ اتق الله وخاف أن يكون لأحدٍ عندك مظلمة وأنت غافل وهو يرسل في كل ليلة سهامه يشن حرب الدعاء عليك فينقلب حالك لليل حالك، وينصره مولاه ويخزيك
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وعند الله تجتمع الخصوم ولاحول ولاقوة إلا بالله