Image title
شـــاهــد علــى العصــربقلم الأديب المصرى د.طــارق رضــوان

يقدم لنا الأُستاذ على الطنطاوي قاعدة تربوية ذهبية فيشهد على   هذا  العصر بما  قد يثير إندهاشكم قائلاً: “إن جاءكم من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام فلا تقولوا له إن هذا مستحيل بل علموه, فلعل اشتغاله هذه الثلاثة الأيام بالنحو, تحببه إليه".

ويرى الأُستاذ على الطنطاوي “المعلِّم الابتدائي هو الأساسُ، والبناء الذي حدثونا عنه في أمريكا وقالوا: إنَّ فيه مائة طبقة، مائة دَوْرٍ بعضها فوق بعض، لا يقوم ولا ينتفع به إِنْ لم يحْملْه أساسٌ متين غائض في الأرض، والأساس لا يُرَى، ولكنَّ البناء لا يقوم إلا عليه، هذا الأساس هو التعليم الابتدائي، لا يراه الناسُ على حقيقته ولا يقدرونه قدره، ولو كان بيدي شيء من الأمر، أو كان لرأيي قليلٌ من الوزن، لأقترحت أن يشترط في معلم الإبتدائي الشهادة الجامعيَّة، وفوقها دورة في التربية وتعليم الصغار، وأن يُعطى مثلَ راتب أستاذ الشهادة الثانوية، نطالبه بالكثير بعد أن نُعْطِيَه الكثير، إنَّ ضعْف معلم الإبتدائي لا تُصلحه قوَّة مدرس الثانوي ولا أستاذ الجامعة.

فالإنسان الكامل يضحي بنفسه في سبيل المبادئ والقيم دون العكس، إلا أن أمثال هؤلاء الناس قليلون.. فإن الأعلم أغلب. يُرجِح الدين إذا تطابق مع مصلحته، ويعرض عنه لو لم يكن كذلك، وكما قال الإمام الحسين (ع): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون). نعم للأجواء العامة تأثير كبير على الكثير من الناس، فإذا كانت صالحة صيرتهم صالحين والعكس بالعكس. ولعل هذا ناشئاً من كون الإنسان اجتماعياً بالطبع.

ولأن أسباب المرض والإنحراف كثيراً ما تكون كامنة في المجتمع، وتبدي ظهوراً أحياناً، فلو تركت رحالها لازدادت تدريجياً إلى أن تقوض المجتمع السليم، لكن إذا كانت هناك مراقبة مستمرة من نفس المجتمع، لا من خارجه،  حتى يمكن القضاء على تلك الظاهرة ومعالجة جذرها، لكن إذا تــرك المرض ولم يعالـــج فإنه ينتــــشر ويتجذّر مما يوجب استحالة أو صعوبة معالجته.

المشكلة  تكمن  أيضاً  فى  من يريد  ويحاول الإصلاح بدون   دراسة  أو   إدراك.  فتركيزه  يكون على تغيير  السلوك الظاهر  لنا (كلام او فعل او نشاط……) لكنه  لم  يُدرك  ما  يسبق هذا  السلوك وما يختبئ تحته من مشاعر و افكار و قناعات ناتجة من قيم تكونت بسبب التعرض لمؤثرات او مثيرات (إيجابية او سلبية ).

لكن حقيقة الأمر  أن هناك خطوات يجب تتبعها ودراستها    لنبدأ من الجذور: فتعرض الشخص لمؤثر يحصد إهتمام، الإهتمام يكون قيم، القيم تكون قناعات، القناعات تكون أفكار، الافكار تكون مشاعر، المشاعر تكون سلوك، السلوك تكون عادات، العادات تكون شخصية.ومحاولة إصلاح السلوك     له طرق متعددة منها:

 1 ـ الطريق المباشر، وغير المباشر:

فقد لا تنفع الطريقة المباشرة، بل قد يكون تأثيرها عكسياً، لأنه قد يوجب أن تأخذ الإنسان العزة بالإثم، ففي هذه الحالة الأفضل أن تكون غير مباشرة. كما ورد في حديث أن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) كان يرتكب محرماً، فحينما رآه الإمام قال له: (الحسن من كل أحد حسن ومنك أحسن لمكانك منا، والقبيح من كل أحد قبيح ومنك أقبح لمكانك منا) فلم يسم له المعصية بل ردعه عن المحرم بطريقة غير مباشرة.

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن شيء وقر في القلب وصدقه العمل ".ويقول مالك بن نبي :”قبل قصة كل استعمار , هناك قصة شعب يقبل الاستخذاء".

2ـ الإعلام المتواصل:

الأعلام من أهم الطرق للتأثير في الناس بمختلف طبقاتهم وقد تنبه المخالفون إلى هذا الأمر مبكراً فسخروا مختلف وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وأشرطة والكمبيوترات والمسابقات الرياضية.  لكن  وسائل  الإعلام  بثت  لأفكار السامة وفرضت الأجواء المنحرفة . وهى  سياسة يهودية   قديمةة   فنذكر على  سبيل   المثال حينما أراد المشركون استغلال انتصارهم العسكري في غزوة أحد وإضافة انتصار نفسي يمكنه أن يضغط على روحية المسلمين، حيث جاءوا ينادون (أعلُ هبل أعلُ هبل) للإيهام بأن انتصارهم كان عن طريق صنمهم الأكبر المــعروف هـــبل ليـزعــزعــوا المسلمين عن عقيدتهم ويرجعوهم إلى المنكر والشرك، أمر الرسول (ص) المسلمين بأن ينادوا (الله أعلى وأجل) ليدحض كلام المشركين وتثبيت المسلمين على معروفهم وإيمانهم، وحينما نادى المشركون (إنا لنا العزّى ولا عزّى لكم) نادى منادي النبي(ص) (الله مولانا ولا مولى لكم).

وهنا يطرح الأُستاذ على الطنطاوي الحل  و يحذر من قراءة القصص و الكتب التى تربي التشاؤم، فيقول: “لا أدري لِماَ لم ينتفع المعلمون والمربون بهذا الميل المستقر في كلِّ نفس، فيجعلوا دروسهم ومواعظهم حكايات وقصصًا؟ ولِمَ يَدَعُون الميدان كلَّه لهؤلاء المفسدين، الذين يستغلون وحدهم هذا الميْلَ، فينشرون في الناس القصص المفسدة للخُلُق، من قصص (أرسين لوبين) وأشباهها، أو المفسدة للعقل كقصص السحرة والعفاريت.

و جدير  بالذكر قول الأستاذ احمد امين :”أن اللبن الذي ترضعه الأم لأولادها توعز إليهم الجبن أو الشجاعة بسلوكها؛ فإن هي ربتهم تربية الأرانب فأدفأتهم وأشبعتهم، وأحاطتهم بكل ضروب العناية، ولم تسمح لهم أن يجربوا، وأن يخاطروا وأن يجازفوا، ثم حدثتهم من الأحاديث ما يخلع قلوبهم، ويحبب إليهم الحياة بأي ثمن، وعلمتهم أن لا قيمة للعقيدة بجانب حياتهم، ولا للوطن بجانب سلامتهم، وصاحت وولولت يوم يجندون، وفقدت رشدها يوم يسلحون، فهناك ترى صورة جند ولا جند، ويرى أشكال الرجال ولا رجال، وترى أجساماً ضخاماً وقلوباً هواءاً.

وإن هي ربتهم من صغرهم على المخاطرة والمجازفة، وحدثتهم أحاديث الأبطال وعظماء الرجال، وعودتهم مكافحة الحياة والتغلب على الصعاب، وعلمتهم أن المبادئ فوق الأشخاص، والوطن فوق حياة الأفراد، وعيرتهم يوم يفرون من واجب، وأنبتهم يوم يأتون بنقيصة، وفخرت بهم يوم يضحون لمبدأ، وأعتزت بهم يوم يخاطرون لأمة _ فهناك الرجال، وهناك العزة، وهناك الشرف.”

فخرج من بيت اسماء بنت ابي طالبعبد الله بن الزبير” و هى القائلة له :يا بني لا ترضَ الدنية؛ فإن الموت لا بدَّ منه، فلما قال لها: إني أخاف أن يمثَّل بي، قالت: إن الكبش إذا ذبح لا يؤلمه السلخ_ و قالت :”إن ضربة بسيف في عز خيرٌ من لطمة في ".

يقول مصطفي السباعي :”كل مؤلف تقرأ له، يترك في تفكيرك مسارب وأخاديد، فلا تقرأ إلا لمن تعرفه بعمق التفكير، وصدق التعبير، وحرارة القلم، واستقامة الضمير. ”

كثيرا  ما  نبتغى  أن نهدى  أحبابنا  من أولاد،أصدقاء أو جيران  ومعارف...وننسى  قول الله ومخاطبته وتهذيبه  لحبيبه المصطفى حين أنزل الله في أبي طالب:" إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ  (القصص:56). لكن  الله أمرنا  بأن نأمر  بالمعروف  وننهى عن المنكر:  (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة: 71).