ماذا لو أنى عاصرت زمن العمالقة والوحوش.كيف كنت سأحيا بينهم؟ هل يمكن أن تجمعنا صداقة...أم أن حياتى معهم سيسودها القلق والترقب؟ من سيكون أقسى ومن سيكون أرحم أنا أم هم؟ لا شك انها تجربة جديرة بالتخيل،فالأمر به شىء من المتعة والإثارة.
الفنتازيا هي تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة، ما يعني أن هنالك شكاً في عالم الرواية إن كان ينتمي إلى الواقع أم يرفضه، وفي نفس الوقت هو معالجة ابداعية خارجة عن المألوف للواقع المعاش، حيث تُعد الفانتازيا نوعاً أدبياً يعتمد على السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي للحبكة الروائية، والفكرة الرئيسية، ...
لذلك يرى الأدب دائماً فى الأطفال مادة خصبة لدراسة النفس البشرية، فهم في بعض الأحيان عفويّون، متصنّعون، ومتأرجحون بين هذا وذاك، ودون شك كل فعل يقومون به سوف يؤثر في بناء شخصيتهم بشكلٍ أو بأخر، وهذا ما ظهر بشدة في مساق الأحداث، وهذا ما جعل الفيلم مميزًا إلى أقصى حد. يقولون أنّ الأعمال الفنية ما هي إلّا حالات شعورية، وطالما تحققت تلك الحالات المؤثرة على نفس، فتلك الأعمال جديرة بالاحترام حقًا.
وهناك الكثير من الأعمال الأدبية التى تناولت فكرة العلاقة بين البشر وبين الوحوش والمردة. ومنها العمل الأدبى الرائع "The Beauty And the Beast" و فيلم "" The BFGو فيلم "Jack - The Conqueror of Giants".
ظهرت النسخة المعاصرة لقصة "الجميلة والوحش" في حدود منتصف القرن الثامن عشر عن طريق قلم المؤلفة الفرنسية غابرييل سوزان دي فيلنوف على الرغم من وجود بعض القصص القديمة المشابهة لها مثل قصة كوبيدو والروح للكاتب اللاتيني لوكيوس أبوليوس ضمن رواية الحمار الذهبي.
مأساة إنسانية
وعلى حسب ما نقله العديد من المؤرخين والمؤلفين، تجد النسخة المعاصرة لقصة الجميلة والوحش أصولها في مأساة إنسانية جرت وقائعها ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث عانى إنسان مصاب بمرض فرط الشعر من معاملة قاسية إمتدت لتشمل أطفاله وقد كان ملوك أوروبا خلال تلك الفترة أبطال هذه المأساة.
ولد بيتروس غونسالفوس في حدود سنة 1537 ،وعانى هذا الطفل من مرض وراثي عرف باسم فرط الشعر وتسبب في انتشار كميات هائلة من الشعر غطت كامل جسده. ومنذ طفولته عومل بيتروس كحيوان متوحش من قبل الجميع وفي سن العاشرة سجن بيتروس داخل قفص حديدي ومنح طعاماً يقدم للحيوانات. ومع حلول شهر إبريل/نيسان سنة 1547 أرسل بيتروس غونسالفوس إلى فرنسا كهدية للملك الفرنسي هنري الثاني خلال فترة تتويجه.
وحال دخوله للأراضي الفرنسية، سجن بيتروس غونسالفوس داخل أحد الدهاليز وهنالك أجريت عليه أبحاث بهدف التأكد من طابعه البشري خاصة بعد أن شكك كثيرون أنه ليس سوى حيوان متوحش. عقب نهاية الأبحاث اتفق المختصون الفرنسيون أن بيتروس غونسالفوس ليس سوى طفل يبلغ من العمر عشر سنوات ويعاني من تشوه خلقي وعلى إثر ذلك وافق الملك الفرنسي هنري الثاني على إطلاق سراحه وإرساله للمدرسة.
خلال فترة وجيزة تحول بيتروس غونسالفوس إلى شخصية بارزة بالبلاط الملكي الفرنسي حيث تم اعتماده كوسيلة ترفيه وإضحاك بسبب مظهره فضلا عن ذلك سمح للأخير بارتداء ثياب النبلاء وتناول طعام مطبوخ وطازج. مقابل معاملته كحيوان بشري أليف سمح لبيتروس بالحصول على بعض الحقوق حيث حافظ الأخير على حريته داخل القصر كما لم يتردد الجميع في تلقيبه بالرجل النبيل المتوحش، في غضون ذلك ومن خلال قرار غريب أثار ذهول الجميع أعلنت ملكة فرنسا كاثرين دي ميديشي عزمها تزويج بيتروس من إحدى الفتيات بهدف خلق أطفال آخرين حاملين لنفس التشوه الذي يحمله الرجل الملقب بالنبيل المتوحش.
عثرت ملكة فرنسا كاثرين دي ميديشي على ضالتها في ابنة أحد الخدم داخل البلاط الملكي، وقد حملت الأخيرة أيضا اسم كاثرين.
وكانت تتميز بجمالها وحسن أخلاقها، في غضون ذلك انتظرت العروس كاثرين يوم زواجها بفارغ الصبر حيث لم يسمح لها برؤية زوجها قبل ليلة الزفاف.
يوم الزفاف أصيبت كاثرين بالذهول حيث خابت جميع آمالها عند رؤيتها لبيتروس، فضلا عن ذلك لم تكن الأخيرة قادرة على معارضة قرار الملكة كاثرين دي ميديشي، التي أجبرتها على الموافقة على هذا الزواج.
مع مرور الوقت اعتادت كاثرين على مظهر زوجها بيتروس غونسالفوس وقد تواصل زواجهما لمدة قاربت الأربعين سنة رزق خلالها الاثنان بسبعة أطفال حمل أربعة منهم نفس التشوه الذي حمله والدهم.
على إثر هذا الزواج حصلت ملكة فرنسا كاثرين دي ميديشي على ما تريده فما كان منها إلا أن أرسلت بيتروس غونسالفوس وأطفاله في جولة إلى مختلف قصور ملوك أوروبا ومرة أخرى لم يتردد الملوك الأوروبيون في إجراء أبحاث على الأطفال الحاملين لما يعرف بفرط الشعر بعد أن حامت الشكوك حول طابعهم الإنساني.
في حدود سنة 1591 أجبر بيتروس وعائلته على الهجرة نحو دوقية بارما بإيطاليا وهنالك عامل آل فارنيزي هذه العائلة الفريدة من نوعها كممتلكات خاصة، حيث تم توزيع أطفال بيتروس المصابين بتشوهات كهدايا على عدد من النبلاء. بعد إجبارهم على التنقل من بلاط ملكي إلى آخر، استقر بيتروس وزوجته بمدينة كابوديمونتي الإيطالية وعلى حسب سجلات المدينة فارقت كاثرين الحياة سنة 1623، بينما لم يتم تحديد تاريخ واضح لوفاة بيتروس غونسالفوس، ويعزى السبب في ذلك إلى عدم اعتباره من جنس البشر حينها.
صورة العمالقة فى السينما الأمريكية تختلف عن صورتهم وجبروتهم فى القرأن مثل قوم عاد وثمود... قال تعالى: "وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)"، سورة الأحقاف، الآية 21.
فقد خلط "سبيلبيرغ" فى فيلمه "" The BFGما بين العناصر العائلية وقصص الطفولة واليتم والحزن والعزلة، وأدخل عليها عناصر جذابة من الخيال العلمي والفنتازيا وفن التحريك، وحولها لقصة حية واقعية متماسكة، تماما كما سبق وأبهرنا بفيلم “مغامرات تان تان” في العام تتحدث القصة عن طفلة يتيمة اسمها صوفي، تعيش في ميتم فتيات يدار من قبل سجانة معقدة وحازمة تدعى “مسز كلونكرز”، وفي ليلة ما ترى صوفي من شرفة الميتم شبح شخص ضخم ينفخ أشياء من خلال “منفاخ” لداخل غرف النوم أسفل الشارع…وعندما يتم اكتشافها من قبل الشخص الضخم الغامض، يبادر بخطفها مسرعا لمنزله الغريب المجاور لأرض المردة…هناك يعرفها على نفسه بأنه “المارد الضخم اللطيف”(بي اف جي)، الذي يقوم عادة بنفخ الأحلام لداخل غرف نوم الأطفال، ثم يشرح لها بأنه يوجد مردة آخرين مخيفين وعمالقة يقومون عادة بأكل البشر وخصوصا الأطفال…ولأن صاحبنا الظريف يرفض أكل الناس وسرقة الطعام، فانه يكتفي عادة بتناول خضروات ضخمة كريهة ذات رائحة منفرة تشبه الخيار وتسمى “سنوز كومبر”.
وينتهي الفيلم الممتع بتجاور صوفي مع المارد الودود، وكانه يسعى لتخفيف شعورها بالوحدة بواسطة بالحديث معها وسماعه لها، حيث نلاحظ في المشهد الأخير اللافت مبادرتها بالهمس الناعم “صباح الخير أيها المارد اللطيف”! ويسمعها مبتسما…ونعلم ضمنيا أنهما تقبلا العديد من الهدايا الجميلة المقدمة من الحكومات والدول التي سبق واستهدفت من قبل “المردة المتوحشين”، مثل بريطانيا نفسها ثم السويد والعراق والجزيرة العربية والهند وباناما والتيبت وأمريكا بطبيعة الحال، وأستفسر هنا بدوري فهل تتضمن هذه النهاية مجازا يقصد به “الارهابيين العالميين” (مثل الدواعش وأمثالهم)اللذين تمثلوا هنا بالمردة المتوحشين “آكلي البشر”، وما المقصود بتسمية دول بعينها لتقديم الهدايا؟! حافل بالايماءآت والايحاءآت ذات الدلالة:
ومنها لطف العملاق وطيبته وحزنه ونحافته وذكاءه وحساسيته، مقابل المردة الآخرين البدينين الضخمين والمخيفين المتوحشين والأغبياء، اللذين لا يفعلون شيئا سوى النوم والتسكع والمراوغة في الأنحاء والبحث عن ضحايا “آدميين” لافتراسهم…ثم طريقة العملاق باخفاء نظارات “صوفي” الضائعة لتضليل رئيس المردة الخبيث ولتجنب تكسيرها، ثم التركيز على العلاقة التفاعلية بين العملاق والطفلة صوفي.
كما تكمن طرافة الشخصية بصوت المارد المضحك ولكنته المشوهة، وبطريقة مشيته الهزلية التي تتمثل برفعه لاحدى ساقيه وكانها أثقل من الاخرى…كما بطريقة حفظه للأحلام في جرار خاصة، وبفصله لها ما بين جيدة ومخيفة، محاولا أن يخفي الأخيرة عن صوفي، وبدا ملهما عندما تحدث بشغف عن “الأرض” وسماعه لها، فهو يقول لصديقته الصغيرة “أطرف القصص أسمعها من الأشجار ذاتها وكل الهمسات السرية في العالم”!
انها قصة شيقة حول أهمية الأحلام وحكايات الطفولة تتطرق للوحدة والعزلة والحنين والصداقة ، كما تركز على أهمية الإصرار والمثابرة حتى النجاح، وتلقي الضؤ على “سحر الصداقة” بين أشخاص “غير متجانسين” إطلاقا!
كما تشبه مؤامرة فيلم "Jack - The Conqueror of Giants" (2013) ، الفاتح للعمالقة" حكاية الجنية الإنجليزية "Jack and the Beanstalk" ، لكن المخرجين جلبوا إليها شخصيات جديدة وقصصًا جديدة.
البطل هو مزارع شاب "جاك" يذهب إلى المدينة لبيع حصان ومساعدة عمه الفقير ، الذي اعتنى منذ الطفولة بجاك كإبن له. في المدينة ، يقدم الراهب القديم حبوب جاك السحرية مقابل حصان ، ويوافق الرجل.
بعد ذلك بوقت قصير ، يتم التقاط الأميرة إيزابيل من قبل العمالقة ، المخلوقات الشريرة ، مرة واحدة تخضع للملك إريك. يقرر جاك إنقاذ الأميرة ومنع نشوب حرب دموية بين البشر والعمالقة.
وهكذا تجد العلاقة بين البشر والعمالقة علاقة محبة وصداقة وتارة تجدها حرب ومغامرات وإثارة .