جوهر الحياة أن تستمر كل يوم في التوازن بين المتناقضات، بين البناء والهدم؛ تجوع لتأكل، وتأكل لتتخلص من الفضلات،
تنام لتصحو، ثم تصحو لتنام، تتعلم لتعلم كم كنت جاهلا وكم صار جهلك أكبر بما لا تعلم في حين صار علمك بجهلك أكبر...
وتظل تدور في حلقة مفرغة لاتكف عن الدوران، لكنها تتصاعد في حركة حلزونية بدأت بمولدك ولن تنتهي إلا بموتك، فهي مستمرة لا تتوقف مادام قلبك ينبض ليمتلىء بالدم في قبضة ويفرغ منه في أخرى، لتشهق في نبضة وتزفر في أخرى، وليستمر إيقاع حياتك بين شهيق وزفير لايتوقف، لكنه يتسارع أو يتراخى وفقما تمنحه من تركيزك وانتباهك...
يا إلهي سبحانك ما أعظمك، ما عبدناك حق عبادتك، ولا شكرناك حق شكرك، ولم نحط بحكمتك علما، فاملأ قلوبنا بالرضا واملأ عقولنا بالتسليم، واملأ أرواحنا بالطمأنينة؛ فلا نكنف عن التسبيح والاستغفار عن ذنوب لانكف عن اقترافها وإن كنا نعود بعد كل ذنب لنستغفر فتغفر ثم نعود لنذنب فتغفر.... ثم تترك لنا باب المغفرة مفتوحا ماحيينا كما تترك لنا باب الجرأة على الذنب عن جهل منا أو هوى أو فتور، فكأنما تمنحنا خيار الذنب لتمنحنا خيار الاستغفار بعده وكأنما نندفع بطبيعتنا التي خلقتنا عليها لظلم أنفسنا والإفساد في الأرض لتدفعنا بنفس الطبيعة للتوبة و الإصلاح ...
ولكن لماذا علينا أن نذنب لنتوب؟
لماذا علينا أن نفسد لنصلح؟
لماذا علينا أن نخطىء لنتعلم؟
لماذا علينا أن نكبر لنموت؟
لماذا علينا أن نمر بكل هذه الاختبارات اليومية لقدرتنا على الاستمرار في التوازن بين المتناقضات وكأنما نمارس نوعا من الرياضة الروحية التي ترفع لياقتنا الوجدانية للاستمرار بين نجاح وفشل على مسارنا المستمر في التقدم حلزونيا يتصاعد إلى الأعلى مع كل نجاح و ينحني متوغلا إلى الأسفل مع كل فشل، لكنه في الحالين مستمر في التقدم والتوسع سواء إلى الأعلى أو الأسفل، فنحن لا نملك من أمر استمراره في التقدم شيئا، وإنما كل ما نملكه في الأمر هو توجيه هذا التقدم نحو الأعلى أوالأسفل، وإن كان حتى هذا الخيار محدود جدا فليس لنا الاستمرار على وتيرة واحد طويلا فتوازن الاستمرار يقتضي التأرجح بين الصعود والهبوط، لكننا بمزيد من النضج نتمكن من تقليل الفجوة بينهما ريثما نسترق مزيدا من الفرص للشعور بالأمان والتوازن الذي لا يلبث طويلا أن تعترضه العوارض!
حنان اللحيدان