قال الله تعالى(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) . [ النساء : 11].

وهذه آية ذات شأن , وشأنها عظيم من عظم كونها قرآنا كريما , ثم إنها لتعلو من حيث قد أعلت قيم الحق والعدل في أمور الفرائض والمواريث والوصايا.

وهذه القيم تمايزت بها شريعتنا عن سائر الملل، وانفردت بها عن غيرها من النحل.

بيد أني لست بصدد تنصيص كامل عنها , فذلك أمر يطول أمده ، كما أنه شأن يطاله الزمان إعدادا وتحبيرا وتنظيرا. ومن باب إعطاء كل ذي حق حقه.  

وعزيمتي أن أدور في فلك آخر ، رأيتها تعالجه ، وبغيتي لسبيل ثان ألفيتها تتناوله.

فأسبرت من شأنه غورا ، كما قد بلغت من تفسيره قاعا عميقا كأعمق ما تكون القيعان في دركها ، وكأبعد ما تنساح من قرارها وهوتها ووهدتها وأدناها وأسفلها !

وهذا هو شأن القرآن العظيم !

قال القرطبي رحمه الله تعالى: قال أبو عمر : وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين : ( للزوج النصف ، وللأم ثلث جميع المال ، وللأب ما بقي ).  [تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) : ج3/39] .

وهذا حكم فرائضي ، وذلكم فرض إرثي.

وهو ليس مقصودا في البيان ، وإنما لزوم المرور ، ومن حيث أوردناه عن الإمام الحبر الترجمان  عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ابن عم رسول الله محمد ﷺ وتلميذه ، ومن حيث قد ناله دعاؤه ، ومن حيث قد حالفه ابتهاله .

وأفهم منها عظم حق زوج على زوجته،  بدلالة اهتمام الشارع الحكيم به، إذ أعطاه نصيبا من ميراث زوجته فائقا عن نصيب كل من أبويها. فتأمل!

وأفهم منه فضل إحسان الزوج إلى زوجته، وعزيمة إكرامها ، وفضيلة إعزازها.

ذلك لأن الشارع الحكيم قد منحه موجبا من تركتها بأعظم من والديها، فكان من جميل الإحسان إحسان مثله، كما قال تعالى(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) . [الرحمن:60] .

وأفهم منه حسن عشرة زوجة إلى زوجها ، لأن الله تعالى جعل له أوفر الحظ والنصيب من تركتها , فكان منه ذلكم إحسان عشير .

فالله تعالى عندما فرض له ذلكم فرضا فإنما نستدل منه على ذلكم عظم شأن لزوج قد منحته الديانة قيمة ، وقد أعلت من شأنه الملة مقاما.

وأفهم أنه حق فاق في معانيه معاني حق للوالدينن !

وليس ينقصهما من حقهما إحسانا وبرا ، مما أوجبه الله تعالى لهما من مقتضى قوله تعالى(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) . [ الإسراء : 23] . فتأمل !

وأفهم منه أن تناغما كائنا بين حقين ، فلا يُهْضَمُ أحدهما لصالح الآخر، فدين الله تعالى ميزان . وقوامه العدل ، والقسطاس المستقيم ، لأنه تعالى قال(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) . [ الرحمن : 7].

وأفهم منه أن لا يطغى حق على حق ، بنفس درجة التناغم بين الحقين ، بل بنفس درجة تناغمه بين سائر الحقوق الواجبة في شرعة الرحمن سبحانه . فـتأمل !

قال الله تعالى (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ) . [الرحمن :8].

ثم أمعن التنزيل الحكيم في الإمعان في الحقوق قسطا واجبا ، كما أمعن في التناغم بينها ، بألا تتداخل ، فلا ينقص من هذا على حساب هذا، كما أنه لا يزاد من هذا على حساب ذاك .

قال الله تعالى(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ).[ الرحمن: 9] .

وبلغ من اهتمام ديننا بآصرة الزوجية نزول قرآن يتلى إلى يوم القيامة معالجا لها ، ومنوها عنها ، ومهتما بها ، كما سبق بيانه . فـتأمل!

كما قد بلغ ذلك الاهتمام مبلغه من أحاديث سيد ولد آدم رسول الله محمد ﷺ .

قال رسول الله محمد ﷺ من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها(خَيْرُكم خَيْرُكم لأهلِه, وأنا خَيْرُكم لأهلي، وإذا مات صاحبُكم فدَعُوه) .[ الصحيح المسند ،  للمحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى: الصفحة أو الرقم: 1616 ]

وقال : صحيح على شرط الشيخين وينظر من أرسله .

 "فدعوه " يعني: لا تذكروه إلا بخير.

وهو من أدب الديانة، وعلو المروءات.

فسترالمعائب دماثة أخلاق، وسمو هامات، ورفعة قامات!

وتناول الأعراض حنق وسفل ، وعنه نهت الشرائع ، ومنه جاء سد الذرائع . فتأمل !

ولو لم يكن من شأن تعظيم حقها إلا ما جاء عنه ﷺ في آخر وصاياه لكان كافيا.

إذ ترك لنا في هذه الوصية خلاصة الملة، وسبيل العزة، وطريق الفلاح وسبيل الصلاح.

وهذا حديث من طريق الإمام على بن أبي طالب رضي الله تعالى يبين ما قصدته ، ويشرح ما رأيته(كان آخر ُكلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصلاةَ الصلاةَ ! اتقوا اللهَ فيما ملكت أيمانُكم) . [ صحيح أبي داود الألباني ، الصفحة أو الرقم: 5156 ] ,

 وقال الألباني : صحيح

التخريج : أخرجه أبو داود (5156)، وأحمد (585) واللفظ لهما، وابن ماجه (2698) مختصراً.

وانظر إلى ذكره ﷺ لزوجه خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد وفاتها ، لتعلم عمق الوفاء ، وليكون هو دأبك مثلما كان دأب رسول الله محمد  ﷺ .

حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقولُ‏:‏ خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ‏.‏ [‏أخرجه البخاري في‏:‏ 60 كتاب الأنبياء‏:‏ 45 باب ‏{‏وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك‏}‏‏]‏.

وذلك لأنها ضربت مثلا لا كمثل أي مثل !

(... فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ...) .

جزء من حديث رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى[ صحيح البخاري  بدء الوحي  كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  حديث رقم 3] .

وإن الأمة لفي مسيس حاجة إلى مثل ذلكم .

وهذا وجه آخر من وجهي العملة إن جاز التعبير، فذاك شأن إكرام زوج لزوجته.

وهذا شأن إكرام زوجة لزوجها ، كيما تأتلف أسرة قوامها الإلف ، وكيما تتعاضض لبنة أساسها الوفاء والإسعاد والصلاح والفلاح والإكرام.

قال رسول الله محمد ﷺ من حديث زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ ؛ لأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها ، ولا تُؤَدِّي المرأةُ حقَّ زَوْجِها ؛حَتَّى لَوْ سألَها نَفْسَها على قَتَبٍ لأَعْطَتْهُ) .[ السلسلة الصحيحة ، الألباني، الصفحة أو الرقم: 3366 ].

وقال رحمه الله تعالى : إسناده صحيح، رجاله ثقات.

وقال رسول الله محمد ﷺ أيضا  من حديث : أنس بن مالك وعبدالرحمن الزهري رضي الله تعالى عنهما(إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها ، و صامَت شهرَها ، و حَفِظَت فرْجَها ، وأطاعَت زَوجَها ، دخَلتِ الجنَّةَ ) . [صحيح الجامع، الألباني: الصفحة أو الرقم: 661].

وقال رحمه الله تعالى : صحيح .