‎يمر صوت الحجار على قلبي مثل-نسايم الهوا-في ليالي الصيف..اتسائل "هل حقا كل الجروح كل الجروح ليها دوا يا علي؟ أو يا ترى..هي ايه الجروح؟"

اتذكر جيدا أول مرة في حياتي أدركت أن كلمة "جرح" يمكنها أن تكون معنوية..وليست ملموسة..يمكنها أن تكون مخفية ليس لها علامات واضحة سوى في العيون..ليست بنظرتي الطفولية أن المجروح من ينزف..او "ده اتعور تعويرة صعبة خالص "..

‎لحظة التعرف فقط، وليست الشعور..صحيح..هو قبح المعرفة..

‎في الثامنة من عمري أو التاسعة..كانت جدتي تسترسل في الحديث مع أمي عن جارتها التي فقدت ابنها..اتأثر للهجة الحزن ولا انتبه للكلام ذاته تماما حتى اسمعها تقول"هتفضل مجروحة سنين-فاتسائل بنبرة طفولية بريئة الي ابعد الحدود "ليه مين اللي عورها"؟"

‎تبتسم امي بسخرية..تبتسم جدتي بحزن..تنظر لي بنظرتها الصادقة الطيبة ويزداد صوتها حزنا "متعورتش..قصدي بمجروحة..انها حزينة..زعلانة يعني" 

‎انظر لها بعدم فهم كامل ولكن داخلي يشعر ان هناك شيئاً كبيراً له معنى واسع في الكون قد علمته..وسأتعرف عليه اكثر..تنظر هي لي بحنان..أظن أن كان داخلها يردد "بكره تكبري وتعرفي ايه هو الجرح"

‎لا اتذكر أول مرة شعرت بأن لدي..داخلي -جرح- لكن اتذكر تفكيري حينها دائما بسؤال فقط يتردد داخلي.."بيكون فين الجرح ده؟"

‎بعدها أدركت ان مجروح يعني" اه اتعور تعويرة جامدة في قلبه" بطفولية وسذاجة الكون..

‎الآن أعلم بمكانه، وجوده، سببه، ندوبه، وعمره..لكن السؤال الذي كان يتردد احيانا داخلي "كل الجروح ليها دوا" ولا "جرحنا ولا عمره دبل"؟ سؤال نجيب سرور الصادق..

‎ولكن أشعر داخلي الآن أن ليس الأهم في دواء الجرح ذاته _ ربما لادراكي ان الجروح قد تكون حقا لم تخلق لتُشفي تماما ربما خلقت لسبب أسمى أو دون سبب_ نظل نحاول التخطي كطفل في سنوات عمره الاولى يحاول المشي "بمشي على راحة حزني " بصوت منير العذب في بداياته الصادقة الحنينة..‎لكن قد يكون ايضاً المهم والمميز والجميل والصادق ان مثلاً..

‎"مين اللي نحس انه يستحق او نطمن فناخد بايده وبعيونه لحد "التعويرة اللي في القلب"..نكلمه عنها..عن ندوبها..بكل البراح والهدوء ..او الغضب الساكت- بالحرية اللي متخلقش الدوا بذاته..بس تخلق الامان والسكينة، مين ممكن منخافش نقوله ان جايز "مش كل الجروح ليها دوا" جرحنا وجرحه..لكن الجايز أكتر والاقرب والاجمل..اننا نتمنى  زي ماقال مصطفى ابراهيم بالظبط:"

ومرة واحدة الدنيا تسكت

صاحب المكان ينده عليا

ويقولي ها .. نفسك في إيه؟

اسكت واتهته واقول رضاك

يقولي تعبت ولا إيه

اقوله خدني أفضل معاك 

يحضني جامد مرة واحدة 

واللي خسرته ف ألف دور

يدهولي في ضمة واحدة 

يرمي جوة قلبي نور

القى كل حاجة غير 

القى كل حاجة خير 

القى نفسي زي طير 

عاش ومات من غير مناهدة 

‎يدهولي في ضمة واحدة"..ضمة تكون وتبقى في الوجود..والقرب والخِفة. والحرية..

‎فممكن يكون يا علي..كل الجروح ليها أمان..