لأنني أحب الحكايات و أكره الحروب
إن كان هناك أمر أعرفه عن نفسي،لم يتغير من السن التي بدأت فيها التذكر إلى اليوم فهو فضولي حول كل شيء،و حول الناس حتى وددت أن تمتد حواسي لتدرك مايجول في خيالهم،لذا لطالما شغلتني تلك القدرة العجيبة لدى الكائنات الغيبية على أن ترانا من حيث لا نراها،و التي لا يملكها من الناس إلا الساحرات في قصص زمان،ثم كبرت فلم أصبح ساحرة واصطدمت في حال أردت إشباع فضولي،عن طريق التلصص،بحاجز أخلاقي يدعى الخصوصية،فكانت القراءة كحل وسط إذ تتيح لك هذا التجسس بلا تأنيب ضمير يصحبه لأن الكاتب عالم سلفا بكونك ستقرأ له فهو متورط معك في هذا الجرم البريء بشكل ما
عندما قادتني الصدفة إلى هذه رواية "فضل الليل على النهار" لم أكن أفكر في القراءة لروائي جزائري فرانكوفوني كان ضابطا في الجيش،يحمل اسما غريبا بالنسبة لرجل و يتحدث عن الاحتلال،هذه الفترة من تاريخ الجزائر بالذات مستهلكة جدا وقراءة شيء عنها شبيه بالاجترار أو بسماع النشيد في ساحة المدرسة كل يوم،النشيد جميل لكن تكراره يجرده من أي معنى.كنت أفضل حينها أن أقرأ كتابا تراثيا يجسد ذلك الإيمان العاطفي لدى أسلافنا ذلك و الذي يمزج بين قصص الجن و أبواب جنة تفتح ليلةَ القدر في سماء الدنيا فيراها المؤمنون دون غيرهم أو رواية تدور أحداثها في مدينة أجنبية لا أعرفها ولا تعرف هي الحروب ،لكن وهران إبان الاحتلال؟لم أتوقع ،كانت البداية مثخنة بالشجن، لكن متوقعة على أي حال ثم تغيرت الحال منذ أول ريو صالادو،فاستبدلت مللي بعينين مفتوحتين عن آخرهما خشية هروب الكلمات و بفم تفغره الدهشة وكنت لا ألفظ أنفاسي إلا نهاية كل فصل فالكاتب استطاع رسم صورة تختلف عن الجزائر في حكايا الجدات كثيرا لكن يمكنك في الوقت ذاته لمس واقعيتها.هي رواية باذخة الجمال-على تناقضها المشابه لتناقض هذا البلد الذي يبدو كقارب لا يتفق المجدفان فيه على وجهة واحدة- شرط ألا تحكم عليها بمنظور سياسي صرف فتبدو حنينا لاستعمار ولى و أن تنتبه للرسائل المبطنة فأنت مهما أشبهت القوم وراء البحر لن تصير منهم يظل الفرق بين جوناس و يونس،إن نسيته أنت لم ينسوه هم و شرط أن تكره الحروب و تحب الحكايات