ارتسمت ملامح التشيع بصورة رسمية و واضحة بعد مقتل الخليفة الثالث واستلام الامام علي لمقاليد الحكم والخلافة , ومنذ تلك اللحظة والى يومنا هذا , تعرض المسلمون من اتباع الامام علي وال البيت ؛ للحرب والابادة والمطاردة والتهجير والاعتقال والاقصاء على يد الامويين والزبيريين والعباسيين والمغول والعثمانيين والبريطانيين والحكام العرب والمسلمين وغيرهم ؛ والتاريخ حافل بالجرائم والمجازر التي ارتكبت بحق الشيعة وفي مختلف الأمكنة والازمنة . 

وظن الشيعة خيرا بالسياسة الدولية والساسة المحليين ؛ بعد انبثاق انوار الحريات والديمقراطيات والرؤى التنويرية في العصر الحديث ؛ وصولا الى القرن الحالي ؛ الا ان ظنونهم ذهبت ادراج الرياح ؛ فقد تعرضوا لأبشع المجازر في العراق على يد الانظمة الطائفية ولاسيما الطغمة الصدامية وكذلك في افغانستان وباكستان والهند وكشمير والبحرين ولبنان وغيرها , وتم تهميشهم واقصائهم ومضايقتهم في دول الخليج , ومحاربة طقوسهم وشعائرهم حتى في الدول التي يشكلون فيها الاغلبية كالبحرين واذربيجان , وتمت ملاحقتهم في مصر ودول المغرب العربي , بل وصل الامر ببعض الحكومات والانظمة الى تشريع قوانين تمنع الشيعة من الترويج لمعتقداتهم ؛ كما حدث في ماليزيا  بتاريخ 24 سبتمبر 2013 اذ تم القبض على 16 شيعي ماليزي بتهمة الترويج للمعتقدات الشيعية ... ؛ وكان العراقي الشيعي يعرض نفسه للإعدام او السجن المؤبد ؛ لمجرد اقتنائه احد الكتب الدينية او تردده على المساجد والمراقد الدينية بصورة مستمرة او مواظبته على اداء العبادات على الطريقة الجعفرية او احتفاءه بذكرى عاشوراء ؛ في عهد المجرم صدام . 

ومعاداة الشيعة هو مصطلح يطلق للتعبير عن كل قول أو فعل يهدف إلى مكافحة العقائد والطقوس الشيعية ؛ و تم تعريف المصطلح عالمياً من قبل منظمة حقوق الشيعة (بالإنجليزية: Shia Rights Watch)‏ عام 2011، غير أنه كان مستخدماً لعقود في البحوث الرسمية للمنظمات الدولية وفي المقالات العلمية ؛ والشيعة هي ثاني أكبر الطوائف الإسلامية بعد الطائفة السنية ؛ الا ان الجماعات والفئات الشيعية قد تتواجد في اماكن مختلفة حول العالم , وقد لا ترتبط فيما بينها بالروابط اللغوية او الثقافية او الاواصر الوطنية والقومية سوى الديانة الاسلامية وفقا لمبادئ الطائفة الشيعية العامة و التي قد تتفرع الى عدة فروع وجماعات متباينة فيما بينها ايضا ؛ مما يحولها الى اقليات في اماكن تواجدها , فضلا عن انعدام التواصل فيما بينها والتنسيق مع بعضهم البعض ؛ وذلك للأسباب الجغرافية والسياسية والاقتصادية فضلا عن الرؤى الدينية وكترة الاجتهادات ؛ فأغلب ان لم نقل كل الشيعة ابعدوا عن الحكم ؛ باستثناء الوضع في ايران ؛ اذ ان للأغلبية الشيعية فيها خصوصيتها المميزة , ففي باكستان كان للطائفة الشيعية الفضل في بناء الدولة الباكستانية الحديثة على يد عائلة  ذو الفقار علي بوتو ؛  ولكن للأسف في نهاية المطاف  اعدم  بوتو، واغتيلت ابنته بنازير علي بوتو بعد ان تغلب الحقد الطائفي على الوطنية ، رغم ان العائلة علمانية و لا تميز بين الطوائف !!

والشيعة في اذربيجان يعانون من المضايقات ايضا ؛ على الرغم من ان الحاكم يرجع الى جذور شيعية الا ان الحكومة علمانية ومعادية للتشيع بسبب تاريخها الشيوعي القديم وموقفها الحالي من النظام الاسلامي في ايران ؛ واما العراق فقد عمل الانكليز ومنذ تأسيس دولة العراق الحديثة على استبعاد الشيعة وحرمانهم من الحكم , وبعد 83 عام من البؤس والاضطهاد الطائفي والتطهير المذهبي والعرقي والتهجير والاعتقالات والاعدامات التعسفية ؛ رضخ الامريكان لإرادة الاغلبية الشيعية العراقية واسقطوا النظام الطائفي عام 2003 , ولأول مرة يشارك الشيعة في صنع القرار الوطني ؛ الا ان الامريكان وافقوا على مضض , اذ لا زالت المعارضة البريطانية قائمة , ولا زال الامريكان يهددون الاغلبية بإفشال التجربة الديمقراطية والعودة الى مربع الاقصاء الطائفي والدكتاتورية السياسية والحكم المركزي الغاشم , واما الشيعة في البحرين فلا زالوا يعانون من الاضطهاد والتمييز على الرغم من كونهم اغلبية ؛ فضلا عن شيعة البلدان العربية والاسلامية الاخرى . 

وقد اتهمت دراسة، أعدتها جمعية مقرها بريطانيا، السعودية بأنها أكبر مروج للتطرف الإسلامي في بريطانيا، مؤكدة ان السعودية أنفقت 87 مليار دولار لتصدير الوهابية إلى العالم خلال 50 عاما الماضية ؛ فضلا عن بقية الانظمة العربية والاسلامية الحاقدة , ودوائر المخابرات الدولية المعادية , فقد انفق هؤلاء مليارات الدولارات في سبيل محاربة التشيع وتهميش ومحاصرة وابادة الشيعة في العالم , حتى وصل الامر بأبناء الطائفة السنية بقتل اطفال الشيعة وسبي نساءهم في بعض المناطق , وممارسة هواية وعقيدة الذبح بهم , وقد تناقلت وسائل الاعلام الكثير من الحوادث المفجعة والجرائم الرهيبة التي قام بها الطائفيون والمتشددون ضد ابناء الشيعة ؛ ومنها قيام احد السعوديين  بذبح الطفل زكريا الجابر الشيعي ؛ حيث أوضح شهود عيان أن الجاني توجه إلى الطفل لينحره بآلة حادة أمام والدته ؛ او قيام الارهابيين الطائفيين في العراق بشوي الاطفال داخل الافران او تفخيخ الجثث او اغتصاب الصبايا ثم قتلهن والتمثيل بهن .

ونتيجة لهذه السياسات الطائفية والشحن الطائفي والتشدد والتعصب الديني والذي استمر لعقود طويلة من الزمن ؛ اضحت الانظمة والحكومات وكذلك القواعد الجماهيرية والحواضن الشعبية في الدول العربية والاسلامية ؛ تكره الشيعة وتبغض التشيع حد اللعنة ؛ حتى وصل الامر بالغوغاء والهمج والمتشددين من المصريين - وكان عددهم بالمئات-  بالهجوم الوحشي على دار رجل الدين الشيعي حسن شحاتة في الجيزة , وقتله وسحله والتمثيل بجثته وقتل ابناءه معه , وبمباركة حكومة مرسي الاخوانية التي حظيت بالدعم السياسي الايراني وقتها ؛ 

بل ان الطائفيين راحوا يشوهون سمعة الشيعة ويسيئون للتشيع ويحرضون الرأي الدولي والغربي على الشيعة والتشيع  ؛ ونتيجة لهذا التحريض قام الالمان وغيرهم بغلق الكثير من المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية والدينية , بل وصل الامر بالبعض منهم الى التنسيق مع الامريكان والبريطانيين والصهاينة من اجل القضاء على الشيعة والتشيع واقصائهم وابعادهم والاطاحة بهم ؛ وها هي احداث جنوب لبنان وسوريا والتآمر المستمر على العراق وايران و وضع الشيعة المزري في افغانستان وغيرها الكثير الكثير ؛ من اوضح الشواهد على ما ذهبنا اليه ؛ وبناء على ما تقدم صار من الطبيعي ان يشتكي أبناء المذهب الشيعي من الاضطهاد في بلدان تواجدهم ، فضلا عن التهميش السياسي والقمع الديني في البلدان التي يشكلون فيها أقلية ، وأحيانا في البلدان التي يشكلون فيها أغلبية ؛ وفيما يخص البلدان العربية فأن الشيعة العرب مضطهدون، وحقوقهم منقوصة، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ... !!

وعلى الرغم من تكاتف ابناء السنة على اختلاف الوانهم ولغاتهم وقومياتهم  وانظمتهم السياسية ؛ واتحادهم لاسيما اذا تعلق الامر بالعدو التاريخي والضد النوعي ( الشيعة ) لا احد يعيبهم او ينبزهم بالكلام الجارح قط , ولا يعتبرون ذلك من التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد او ذاك , فقد ذهبوا الى افغانستان وقاتلوا فيها , وجاؤا الى العراق لقتال الشيعة المشركين الا انهم رفعوا راية قتال المحتلين كذبا و زورا , وذهبوا الى البحرين واليمن لمحاصرة وتعذيب ومضايقة الشيعة ؛  وطالما استعانوا بالأنظمة العربية والاسلامية , ولعل الدعم التركي والقطري الان للحركات الارهابية والفصائل السنية في سوريا واضح للعيان ولا يحتاج الى برهان , والشيعة صفر اليدين من كل انواع الدعم فليس لديهم نظام عربي او دولة اسلامية او قوة عالمية تدعمهم وتوفر الاسناد لهم ؛ سوى ايران التي تعتبر الدولة الشيعية الوحيدة التي يتنفس فيها الشيعة الصعداء ولا يضايقهم فيها النواصب والاعداء ؛ وبمجرد ان  يطلب الشيعة النجدة او الدعم الايراني عندما تتعرض الطائفة للخطر في هذا البلد او ذاك ؛ تتهم بالتبعية والولاء للخارج , ويتم التشكيك بوطنيتها واصالتها ؛ وهذه لعمري قسمة ضيزى ومعادلة ظالمة ؛ وكما يقول المثل الشعبي العراقي : (( من صوبك غفور رحيم ومن صوبي شديد العقاب ... ؛ او : لا ارحمك ولا اخلي رحمة الله تجيك )) ؛ فاذا نسق الشيعي اللبناني مع الصهيوني او الفرنسي لا يعترض القوم عليه ؛ اما اذا نسق مع الايراني ضد اسرائيل مثلا او عقد الشيعي العراقي اتفاقيات سياسية او دفاع مشترك بينه وبين الايراني ؛ قامت الدنيا ولم تقعد , واتهم الشيعة العرب بكونهم عملاء و ولاءهم لايران ؛ بينما اذا احتل الاتراك الاراضي العراقية او السورية ؛ التزم ابناء الطائفة السنية الصمت ولم ينبسوا ببنت شفة ؛ وكأن على رؤوسهم الطير ...!!

حتى الشيعة الملحدين والعلمانيين لم يسلموا من التمييز والاضطهاد الطائفي ؛ فالشيعة العرب العلمانيين من ناحية لا يشعرون بدفء هذا الإطار الديني ولا التعريف الديني ولا يرتبطون مع الشيعة الملتزمين دينيا بأية رابط عقائدية سوى المكون الاجتماعي والجذور المذهبية ، ومن ناحية أخرى تنظر لهم الطائفة السنية من منظور ديني على أنهم شيعة فلا هُم شيعة و لا هُم  سنة ؛ يعني  لا مع هؤلاء ولا مع أولئك ؛ وهؤلاء يطلق عليهم بالعامية العراقية (  مضيع المشيتين  ) لاسيما وان العلماني السني قد يتعامل مع العلماني الشيعي بأخلاق المتشدد السني والذباح التكفيري احيانا ؛ يعني أنت شيعي حتى لو أردت ألا تكون شيعيا ،  فلو  أردت ان  تكون علمانيا او ملحدا ستبقى شيعيا بنظر الحكومة السنية والطائفة السنية  ...!!

والكثير من الشيعة انخرطوا في الأحزاب القومية والأحزاب اليسارية والأحزاب الليبرالية، وكانوا يريدوا أن يكون هويتهم السياسية  او القومية بمعزل عن هويتهم الطائفية او جذورهم المذهبية والتي لا يحبذوا ان يوصفوا بها احيانا ؛ ومع ذلك ينظر اليهم بنظرة فوقية تستبطن التمييز الطائفي والعنصري ؛ والشيء بالشيء يذكر , كان المجرم الشيعي  ناظم كزار بعثيا مؤمنا بالبعث ؛ وعمل على ترسيخ سلطة البعث في العراق , الا انه اكتشف فيما بعد حقيقة الامر , وتعرف على جوهر القوم , فالقوم في السر غير القوم في العلن , اذ طلب في احدى المرات من المدعو خيري طلفاح الزواج بإحدى نساءهم الا ان الهجين الشاذ خيري رفض ذلك ؛ وقال له : نحن لا نعطي نساءنا للشيعة والشرجية ؛ فذهب ناظم الى صدام غاضبا , يشكو سلوك خال صدام ؛ فما كان من صدام الا القول : هل انت شيعي ام بعثي ؟ 

فأجابه ناظم : انا شيعي اولا ثم بعثي ثانيا ... ؛ وبعدها لاحظ ناظم كزار ان الاجهزة الامنية عندما تلقي القبض على الشيوعيين وتلقي بهم في غرف التعذيب وغياهب السجون ؛ تنفذ احكام الاعدام فضلا عن التعذيب بحق الشيعي الشيوعي بينما يخلى سبيل السني الشيوعي ؛ ولعل هذه الاسباب هي التي دفعت ناظم كزار للتمرد ومحاولة الاطاحة بحكم البعث الطائفي العنصري فيما بعد .  

 وقد رأينا بعد سقوط النظام الطائفي الهجين عام 2003 ؛ كيف ان البعثي الشيعي لا يهتم به أحد  من ابناء السنة البعثيين ؛ حتى اذا مات لا يأبهوا لأمره ؛ بينما يعلنوا الحداد فيما اذا هلك بعثي من السنة ؛ نعم قد يهتموا لأمر بعثية الشيعة كما كانوا يفعلون وهم في الحكم ؛ اذا كان البعثي الشيعي مجرد أداة طيعة بيدهم لتنفيذ مخططاتهم العدوانية والطائفية ضد الشيعة ؛ فعندما يقربوا البعثي الشيعي  ليس حبا به او احتراما له ؛ بل لأجل تفتيت الصف الشيعي وزرع الجواسيس والاضداد النوعية داخل المجتمع الشيعي ؛ للفتك بالشيعة فيما بعد .

واصبح من الواضح ولدى الجميع ؛ ان الشيعة في اغلب مناطق العالم لاسيما في الدول التي تنشط فيها الحركات الارهابية والفصائل التكفيرية والمدارس والجماعات الطائفية والوهابية والانظمة السياسية الحاقدة وغيرها ؛ يتعرضون لخطر الابادة والتطهير الطائفي  والاضطهاد والتهميش والاقصاء , فضلا عن المؤامرات البريطانية والغربية والاسرائيلية التي تستهدفهم ... ؛ وعليه نطالب المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والهيئات الانسانية الدولية والامم المتحدة ؛ بضرورة وضع حد للانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الشيعة , وتقديم الحماية السياسية واللوجستية  لأبناء الطائفة الشيعية  الذين يتعرضون للاضطهاد والملاحقات والاعتقالات والاعدامات من قبل الانظمة السياسية والحركات الارهابية والفصائل الطائفية ؛ وتشريع القوانين التي تجرم معاداة الشيعة ومحاربة الفكر الشيعي , وتوفر لهم الحماية من الابادة والتطهير الطائفي والاقصاء والتهميش السياسي ؛ اذ بات من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي بجدية لدعم قضية الشيعة المضطهدين والمحاطين بالأعداء والقتلة الاشقاء ، حيث لم يعد من المقبول السكوت عن الانتهاكات الطائفية والتكفيرية والارهابية المستمرة ؛  إن الدعم الدولي للشيعة يمكن أن يساهم بشكل كبير في ايقاف كل الجرائم والمجازر التاريخية والمعاصرة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الشيعي , ويمهد الطريق لتحقيق العدالة الاجتماعية  والاستقرار السياسي  في العالم ونشر قيم الديمقراطية والحرية والحياة المدنية .