القلة القليلة من ابناء الاغلبية العربية استطاعوا الخروج من العراق فضلا عن المهجرين العراقيين والفيلية الذين تم تسفيرهم عنوة ؛ ابان العهد البعثي الصدامي الدموي في عقد السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم ,  ثم التحقت قوافل العراقيين المجاهدين والمناضلين والمعارضين بهم ؛ بعد قمع الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 واستمرت الهجرة من العراق الى الخارج حتى سقوط النظام الهجين العفن عام 2003 ؛ فأغلب  هؤلاء ان لم نقل كلهم قد هجروا واخرجوا من ديارهم وبيوتهم ومدنهم وقراهم بغير حق , أو أُلجئوا إلى الخروج من ديارهم ، لا لشيء فعلوه  او جرم ارتكبوه إلا لأنهم من ابناء الاغلبية العراقية او من المعارضة السياسية ؛ هروبا من بطش النظام الطائفي الاجرامي وقسوة اجهزته الوحشية القمعية , وقد تركوا خلفهم مرابع الصبا وذكريات الاحباب وموطن الاسلاف , فضلا عن البيوت والاموال والممتلكات , وخرجوا من العراق بخفي حنين , وتغربوا عن الوطن , وعانوا الامرين , وذاقوا مرارة الفقر والبؤس والبعد والخوف ؛ فان تكن للمظلومية عنوانا فهم عنوانها , وان يكن للقهر مصداق فهم مصداقه الجلي .

 وبعد ان دمدم الله على زبانية الطغمة الهجينة وازالهم عن مواضعهم , وشردهم في الاصقاع من حيث جاء اسلافهم الغرباء مع الاتراك العثمانيين والانكليز المحتلين عام 2003 ؛ عاد المهجرون والمعارضون والمجاهدون الى مدنهم وقراهم وديارهم ؛ الا انهم قد رأوا الحال غير الحال التي تركوا البلاد عليها سابقا , فقد تغيرت النفوس وتبدلت الطباع , وسيطر النفس البعثي الحقير على مفاصل الدولة وترك سمومه الطائفية والعنصرية والمنكوسة خلفه ؛ فقد سلم جرذ الحفرة الجبان العراق للأمريكان وهو عبارة عن (تراب ) خرائب ومعتقلات وغرف مظلمة لا تسر الناظرين ؛ وشيئا فشيئا سرت الدعايات الطائفية والاشاعات والادعاءات البعثية ضد العراقيين الاصلاء ؛ فقال اصحاب القطار الامريكي الشهير من البعثية العملاء عن هؤلاء انهم جاؤا على ظهر الدبابة الامريكية , واصبحت صحراء رفحاء اللاهبة عارا يعير به المعارضون والابطال المجاهدون , واضحى العراقيون الذين قطنوا قم المقدسة لينهلوا من معارف ال البيت وبني هاشم الكرام وليحافظوا على هويتهم الوطنية والتاريخية ؛ متهمين بوطنيتهم وعراقتهم ودينهم , اذ وصفوهم بالصفوية والخمينية والولائية , بينما اتهم اللاجئين في اوربا وغيرها بانهم ( مزدوجي الجنسية ) ؛ ثم حملوهم تبعات وسلبيات النظام البعثي البائد والذي احال العراق الى منطقة منكوبة بائسة , واطلقوا عليهم اشنع الاوصاف والالقاب التي تستبطن النفس الطائفي والعنصري والاضغان المناطقية الدفينة .

والعجيب في الامر ان بعض المظلومين والضحايا من ابناء الاغلبية ؛ صدموا عندما راجعوا بعض الدوائر الحكومية وشاهدوا بأم العين الجلادين والمجرمين والبعثيين وابناءهم يعملون في الحكومات العراقية الجديدة المنتخبة ؛ وكأن القدر اراد لهؤلاء الاوغاد ان يكون لهم في كل قدر مغرفة وفي كل حكومة حصة , بينما يصر ذلك القدر على حرمان المظلومين والمغبونين والمضحين من ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ فالكثير من ضحايا النظام الاجرامي البائد لم يحصلوا على حقوقهم وماتوا بغصتهم ؛ بينما يتمتع 550 الف عنصر بعثي وصدامي بالرواتب التقاعدية المجزية .

وسخر اذناب البعث وازلام صدام وضباع الطائفية كل امكانيات الدولة , فضلا عن الاموال السحت التي سرقوها من العراق سابقا ولاحقا ؛ لإلحاق الضرر بالعراق والعراقيين الاصلاء , ولمحاربة الاغلبية وافشال التجربة الديمقراطية ؛ ولعمري هذه الحالة تعد من اغرب الحالات السياسية والقصص الانسانية ؛ فقد هرب العراقيون من هؤلاء وعادوا الى وطنهم بعد عقود وسنوات طويلة ليجدوا هؤلاء الانذال في استقبالهم شر استقبال ...!!

بينما قضى الالمان على النازية والطليان على الفاشية , وتخلصت الشعوب المحررة من تبعات جلاديها ؛ لا زال العراق يراوح مكانه , فها هم البعثيون والطائفيون والارهابيون يسرحون ويمرحون , و يصرحون ويخططون للإطاحة بالدولة والحكومة , ويشرفون على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي , ويتامرون ضد العراق مع الاجانب والغرباء والاعداء , ويتربصون الدوائر بالأغلبية والامة العراقية ... ؛ والحكومات العراقية والاجهزة الامنية مكتوفة الايدي وكأن الامر لا يعنيها البتة ؛ علما ان هذه الشراذم لا تعرف لغة الحوار واجواء الحريات العامة والديمقراطية والتعايش السلمي والتداول السلمي للسلطة ؛ فهم لا يفقهون الا منطق القوة والعنف والسوط والعقوبة ؛ وقديما قيل : يستصلح الكرام بالكلام واللئام بالعقوبة .