Image title
التواصل العميق حاجة إنسانية لا يمكننا الاستغناء عنها

كم مرة عبّرت لقريب أو صديق عن مشاعرك تجاهه وعن اشتياقك للقائه والجلوس معه وجهاً لوجه؟

تسبب وباء كورونا –وما لحقه من إجراءات وتَبِعات– في الكثير من التغييرات على علاقاتنا الاجتماعية وتواصلنا. وبعد مرور ما يزيد عن شهرين من منع التجول والعمل من البيت، أدركت أنني بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة تواصلي مع الآخرين بطريقة أكثر إيجابية تزيد من عمق تلك العلاقات ومن فعاليتها. التأثيرات لا تقتصر على أزمة كورونا وحدها، فمثلاً مررت بتغيير سابق وهو الانتقال من العاصمة الرياض إلى مدينة الجبيل الصناعية وما تبعها من تأثير على تواصلي مع أقاربي وأصدقائي. وسأنتقل إلى صُلب الموضوع من خلال بعض التأملات السريعة...

تباعد اجتماعي وتباعد نفسي!

  • التغير المستمر –وربما المفاجئ– أمر طبيعي بل هو من سمات هذه العصر؛ ولا بدّ أن نكون دائماً على استعداد لتقييم تلك التغيرات والتفاعل معها خاصة فيما يتعلق بأمر جوهري كالعلاقات الاجتماعية.
  • من أكثر ما نفتقده في علاقاتنا التواصل العميق الذي يعتمد على الحوارات الممتدة والنقاشات المتسلسلة بغرض الخروج بخلاصات معينة أو حتى لمجرد الاستمتاع،  بالضبط كما كنا نفعل حين نجتمع في المناسبات أو جلسات السمر، حتى أننا أصبحنا نتندّر بالتعبير عن الاشتياق للاجتماع المباشر على سبيل التمنّي أو المجاملة حين نقول لبعضنا "يبي لها" بمعنى: ليتنا نجتمع يوماً ما، وكأننا نتحدث عن خرافة بعيدة المنال!
  • مثل تلك الحوارات المطولة المتسلسلة شائعة في بيئات العمل التي تعتمد على التعاون والاندماج بين فرق العمل والإدارات المختلفة، لكنها للأسف أصبحت تتناقص في الأوساط الاجتماعية حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
  • لقد أصبحنا نقتصر في أحاديثنا عن بُعد على التواصل الضحل –إن جازت التسمية– وهو التواصل المقتضب الذي نمارسه وكأننا في سباق مع الزمن!
  • اللقاءات المباشرة وجهاً لوجهه هي أكثر أساليب التواصل فعالية بلا شك لعدة أسباب... فهي أكثر تقارباً (جسدياً ومعنوياً) وأكثر متعة، وتتيح لنا الحضور الكامل والتفاعل بداية من المصافحة وصولاً إلى لغة الجسد وتعابير الوجه، ونحن أثناءها نميل إلى عيش اللحظة والاندماج مع قدر أقلّ من المقاطعات.
  • رغم أهمية التواصل المباشر إلا أننا في عصر يتسم بالانشغال المستمر وضيق الوقت مع اتساع الرقعة الجغرافية والتباعد الاجتماعي غير المقصود؛ ولذا فإن علينا أن نعيد النظر في ما اعتدنا عليه من أساليب ونقوي علاقاتنا بل ونعمّقها بوسائل موازية أكثر كفاءة لا تقتصر على المهاتفات القصيرة أو الرسائل المتبادلة في المجموعات الافتراضية.
  • التواصل عن طريق الفيديو هو ما أعنيه هنا بالوسائل الموازية؛ فرغم أنها أقل درجة من الاتصال المباشر إلا أنها تقع في منتصف المسافة وتردم الكثير من ثغرات الوسائل التقليدية الحالية. وفي ظل الظروف التي يشهدها العالم إثر وباء كوفيد-19، أصبح هناك سباق كبير نحو الحلول الخاصة بالاجتماعات الافتراضية (زوم Zoom،  قوقل دوو Google Duo، وغيرها).

كيف تتواصل بعد كورونا؟

أصبحت جداولنا اليومية مليئة بالكثير من اللقاءات الافتراضية الاجتماعية والثقافية والتدريبية، وهذا شيء محمود ولا غبار عليه. وقد خرجنا من هذه التجربة الثرّية بمكتسبات اجتماعية، ولكن ماذا بعد الخروج من أزمة كورونا؟ الذي أقترحه هو أن نتواصى على الاستمرار في اجتماعاتنا الافتراضية جنباً إلى جنب مع اللقاءات المباشرة (المرتقبة في القريب العاجل بإذن الله تعالى) لأننا غالباً سنرجع إلى حياتنا "الطبيعية" الملئية بالمشاغل، وسنرجع كذلك إلى النوع الآخر من التباعد وهو التباعد النفسي والاتصالات اللاهثة! فما زلنا بحاجة إلى التقارب أكثر وأكثر وإشباع حاجاتنا الاجتماعية ونقل الخبرة والتجارب بيننا والتواصل باستمتاع، وهي حاجة إنسانية لا يمكننا الاستغناء عنها.