يُراقِبونها من مكان بعيد وقد كانت تسكُنهم ويسكنوها ، وقفزات ورقص المستعمرين ، بريقٌ باهت وهالةٌ لا معنى لها إلا أنها وجهٌ وزينةٌ من زِينة الشياطين . كانوا أقل من الرهط ، مبيتهم طيلة عشر ليالٍ على سفوح الجبال غطى ثيابهم بتراب المَسكنة ، عشر ليالٍ فتاقت نفسوهم لأشواكها وما قَويت شوكَـتُهم ولا اشتد بأسهم بعد ، اصبروا ، كلكم إما شهداء أو شهود ، الأرض لا يرثها مغتصبوها فالملل يتسلل إلى نفوسهم الخاوية ثم نكون نحن أسباب انتشالها .
الليلة الرابعة بعد تلك العشر
سمع الوليد فجيعة إعدام مريم ، أتكون تلك التي عَقد قِرانها قبل الاستعمار بأيامٍ قليلة ؟ ، أتكون جميلتهٌ ويقينه؟ ذرفت أعينهم وتباكوا ، وبكاء الرجال تاريخ ! ، وبكاء الوليد جَلت له الأفئدة .
كانت الوحيدة بابتسامتها تَظهرُ وجنتاه وكأنها امتلكتها وامتلكت تفاصيل ضحكته ، حتي هي ، إذا ضحكت أحدثت جلبة داخله ، وحدها كانت تدرك جلال العبارة بالنسبة له فتسقيه بقراءتها لحروف السابقين أملاً وحباً ويقيناً أنه سيصبح مثلهم أو أفضل ، لو كانت من شفاه غيرها قُلتُ كَذِبة أو مجاملة ولكني أُصدقها وأنا غير مؤمن حتى بذاتي ! ، هَويتُ فما أصعب الكلام وتحت الثرى روحي ، ارتحلت وتقبلها ربها بقبولٍ حسنٍ وكأن موتها وصية .
بعد العشاء ظل جنود الاستعمار يتقلبون ذات اليمين وذات الشِمال ، الكأس أكثرُ مذاقاً من كل ليلة ، ذاك المذاق بداية نقطة الغليان .
تحرك الوليد والأحرار وقد غارت أقدامهم تغوص في تلال الكثبان طَوال المسير ، المستعمرون لا يقدرون على الحِراكِ ، الكأس حلو المذاق كان سما لقضاء الليلة في الأنين والشكوى ، طَفت الآلام من خصلات شعر رأسهم حتى باطن الأقدام وكأن الله أرسل عليهم جنودا لم يروها .
نحن على وشك تَملك حرية إعلان الانتصار ، قتلوهم وقعدوا لهم كل مرصد ولم يبقى إلا قائدهم يواجه قسمات وجه الوليد الذابلة ، إعدامٌ بلا رحمةٍ وجثة لم ترمى إلا للجِيف وأورث الله الأرض لأهلها ، وفي الجنة مريمُ فاحتفل ..