Image title


بقلم: محمود خليفة

الخُفاشيات ومفردهاالخفاش، وهو الحيوان الثديي الوحيد الذي يستطيع الطيران. ويوجد حوالي ألف نوع من الخفافيش وهي تعادل ربع عدد أنواع الثدييات. تنقسم الخفافيش لمجموعتين كبيرتين هما:

الخفافيش الكبيرة: Megachiroptera, or megabats

وتعرف بآكلة الفواكه وتوجد في المناطق الاستوائية بإفريقيا وأستراليا والهند.

الخفافيش الصغيرة : Microchiroptera, or microbats :

آكلة مختلف الطعام ابتداء من الثدييات الصغيرة حتى الأسماك، وهي أكثر انتشارا.

وبصفة عامة كل الخفافيش تنشط ليلا أو مع بزوغ الفجر أو ظهور الغسق، وكثير من الخفافيش الليلية تعتمد علي جهاز مثل السونار للطيران والعثور علي الفريسة.

والخفافيش تتواجد عادة بالكهوف.

عضة الخفاش قد تسبب مرض الكلب (السعار).


وإذا أخذنا صفات الخفافيش وطبقناها على خفافيش الناس، سنجد أنه لا فرق بينهما...

1- الخفافيش تتواجد عادة بالكهوف:

الخفافيش تحب العتمة والتخفي وخاصة في كهوف، والصفة ذاتها تنطبق على خفافيش الناس حيث أنهم يتسترون بعيدا عن الأعين وكأنهم في كهف تماما؛ فمثلا تاجر السلاح والغاز المصدر لإسرائيل أيام مبارك كان في الكهف مثل الخفافيش ولم نسمع عنه ولا عن إمبراطوريته، ولم تكتب الصحافة عنه أي شيء إلا بعد سقوط مبارك، فهو رجل كهفي أو خفاش من خفافيش الظلام، والطابور الخامس من العملاء والجواسيس أعداء الوطن دائما ما يكونون بعيدين عن الأعين وحياتهم كأنها في كهوف.

2- الخفافيش تتجمع في كل البيئات المختلفة وتتواءم معها:

لذلك نجد خفافيش الناس أعضاء في حزب اليمين وبعد ذلك لا نندهش حينما نجدهم في اليسار وحتى الوسط المتطرف نجدهم أعضاء فيه. ونجدهم بوقا للحكم السلطوي ثم نجدهم أبواقا للثورة ولا يغطون سوءاتهم وهم يهتفون للثورة!

وتجد رجل الأعمال الشهير، مصاص دماء المصريين، المتهرب من الضرائب، يدعي أنه وطني ويقوم بعمل إذاعة للثوار في ميدان التحرير في ثورة يناير 2011، أضحى ثوريا بين غمضة عين وانتباهها!

أما الفنانون الخفافيش لا يفتئون يغنون أو يمثلون للملك وللعسكر وللرجعية وللتقدمية وللثورة وللثورة المضادة ولكل العهود؛ "أم كلثوم" كمثال، غنت بين يدي الملك فاروق بحماس شديد، وغنت بين يدي جمال عبد الناصر بالحماس ذاته أو أكثر، ولو عاد فاروق للحكم لغنت له أيضا بحماس أكثر مما سبق مع احترامنا لقيمتها الفنية.

فهم خفافيش تتكيف مع كل البيئات...

وبوجه عام، الممثلون في بلادنا -إلا ما رحم ربي- منبطحون دائما لأي حاكم وليس عندهم أي شجاعة لنقد أي ظلم لأنهم يعلمون جيدا عاقبة السير في اتجاه يخالف تيار الحاكم السلطوي؛ فلو قالوا نكتة على الحاكم فالعاقبة هي نار جهنم الحاكم التي ستفتح عليهم مثل الاعتقال أو خراب البيت من الضرائب أو قضايا ملفقة أو تجاهل كل المنتجين والمخرجين لهذا الممثل في أي عمل...

وإسماعيل يس، الفنان الكوميدي النادر، اضطهد منذ عام 1966 حتى وفاته بسبب نكتة قالها في حق نظام ناصر الديكتاتوري، وترتب على هذه النكتة امتناع كل المخرجين والمنتجين والمؤسسة العامة للسينما والتلفزيون والإذاعة من أن يعرضوا عليه أي أعمال، وحجزت الضرائب على حسابه البنكي وعلى بيته وحتى على سيارته التي ذهب بها إلى رئيس قطاع الضرائب ليشتكي من الظلم الواقع عليه، واُضطر الرجل الذي أسعد الدنيا في أفلامه ومسرحياته أن يترك مصرنا الحبيبة ويذهب يتسول الفن في لبنان وسوريا بالرغم من أنه غني للجيش وقدم الأفلام التي تمجد نظام انقلاب يوليو 1952 والتي تحث الشباب على الالتحاق بالجيش والشرطة مثل فيلم إسماعيل يس في الجيش وفي الأمن الحربي وفي البحرية وو...


Image title

                 

                       إسماعيل يس في أخر أفلامه الرغبة والضياع 1972

ودوره في الفيلم لقطة لا تزيد عن 3 دقائق


أما عبد الحليم حافظ فقد قدم فروض الطاعة جيدا بين يدي نظام ناصر ومدحهم بأكبر قدر من النفاق في الدنيا؛ لذلك لم تأتِ الضرائب ناحية شركته الفنية وكذلك عبد الوهاب، ولكن الفنان محمد فوزي لم ينافق نفاق عبد الحليم، وغنى لانقلاب يوليو 52 ولكنه لم يغني للضباط ولا لعبد الناصر؛ لذلك أمَّن نظام ناصر الديكتاتوري شركتة الفنية، وهي عبارة عن شركة اسطوانات صغيرة، وفرضت الحراسة على شركة "بهنا فيلم" والموزعة لأفلام محمد فوزي، وأصيب فوزي بسرطان نادر بسبب حزنه وحسرته على شركته حتى مات في ريعان الشباب (48 عاما)...

Image title

محمد فوزي في آخر أيامه

https://www.youtube.com/watch?v=qYgScwJUqUI

3- الخفافيش تنام في النّهار وتنشط ليلاً:

فيما مضى، كان زوار الفجر عبارة عن خفافيش ظلام لا يقومون بعملهم إلا في الثلث الأخير من الليل حتى لا يراهم إلا المقبوض عليه، ولكن بعد انقلاب 3 يوليو الدموي، أضحى يعمل بالنهار وبالليل وفي أي وقت؛ لأن النظام الانقلابي لا يتحرج من أي شيء حتى لو قتل في وضح النهار وبدم بارد...

4- خفافيش الظلام والطابور الخامس وبيع بغداد للأمريكان:

ديك تشيني، وزير الدفاع الأمريكي إبان حرب بغداد في 2003، قال إن  الرشاوى التي دفعوها للقادة العراقيين كانت أقل تكلفة من الحرب ضد جيش صدام لسقوط بغداد، وبهذه الرشاوى تحول ثالث أقوى جيش في العالم إلى لا شيء؛  حيث خلع كل عسكري بزته العسكري وارتدى لباسا مدنيا وتبخر ثالث أقوى جيش في العالم في أيام معدودات، وسقطت بغداد، وامتدت المخالب الآثمة لخفافيش الظلام لسرقة أكثر من 6000 قطعة أثرية من متاحف العراق لبيعها بالخارج!...

والآن مع الحكومات الشيعية الطائفية تحول هذا الجيش العظيم إلى جيش ميليشيات "حشد شعبي" تقوم باغتصاب النساء السنة وقتل السنة وتدمير ونهب مدنهم...

هل توجد دولة في العالم كله إلا الصومال (اللادولة) يكون جيشها عبارة عن ميليشيات؟ وهل توجد دولة تسمح لدولة -كانت تحاربها فيما مضى- بالتوغل في بلدها كما تفعل إيران في العراق منذ سقوط بغداد 2003؟!

5- خفافيش الظلام لا يعرفون النور فالنور بالنسبة لهم ظلام:

وهذه الصفة تنطبق على الكثير والكثير من الكتاب والمثقفين وما يسمون "بالنخبة"، فهم لا يرون الحق الأبلج ويتعامون عنه، وفي ذات الوقت، يرون الباطل حقا؛ لذلك يروجون للطغاة وللديكتاتوريين، ويرضى كاتب أن يُملي عليه ما يكتبه صُول أو حتى عريف الانقلاب القابع في الجريدة القومية حتى لا يبتعد عن الأضواء!

أحدهم (شاعر كبير له مقال أسبوعي يوم الجمعة بالأهرام) كتب مقالا مطولا في جريدة الأهرام يدعو فيه لانتخاب السيسي. شعب قام بثورة ضد حاكم عسكري ثم يدعو أحد النخبة أن ينتخب هذا الشعب الثائر حاكم عسكري آخر! هذا يسمى بالعته وعمى البصيرة...

ويتساقط الشباب بالآلاف ولا حس لهم ولا خبر، بل يروجون للطاغية ويكيلون له قصائد المدح.

في عصر عبد الناصر، أحدهم (الأستاذ أنيس منصور) كان يكتب مقالات -في فترة زمنية طويلة في الستينات- عن تحضير الأرواح والذين هبطوا من السماء والذين صعدوا إلى السماء، ولم يخبرنا هل الصاعدون والهابطون التقوا في منتصف المسافة بين السماء والأرض؟!

أما ديكتاتورية ناصر، والاعتقالات بالآلاف، والتعذيب في السجون الحربية، والإعدام للمعارضين، وهجرة أفضل عقول مصر إلى بلاد الدنيا الواسعة منذ 1954، وتدمير الوطن في هزيمة 1967، فقد تعاموا عن ذلك كله مثل الخفاش الذي يتعامي عن ضوء النهار ويعتبره ليلا...

فهذا الكاتب وأًضَّرْابه (يلبدون في الذرة) كما نقول بالبلدي حتى انتهاء عصر الديكتاتورية، فإذا مات الديكتاتور، نجدهم يكتبون لنا قصائد الذم والسباب في ذلك الديكتاتور مثل كتاب "عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا"!

هل كانوا خائفين؟

ولكن الكاتب هو ضمير الأمة، وهو قدوتها، وهو الذي ينير الطريق للأمة... وأضعف الإيمان أن يكتب بالرمز كما فعل نجيب محفوظ في "ثرثرة فوق النيل"، وكما كتب ثروت أباظة في "شيء من الخوف"، وتوفيق الحكيم في "السلطان الحائر"، وأضعف الإيمان أيضا ألا يروج الكاتب الحر للظالمين وللطغاة...

وبعد أفول عصر ناصر المنهزم، كتب الأستاذ توفيق الحكيم كتاب "عودة الوعي" ليقول لنا هل الكُتاب والنخبة كانوا في غيبوبة في فترة حكم الفرد وديكتاتوريته وهم يرون بأم أعينهم كيف أدى حكم الفرد إلى هزيمة 1967 الغير مسبوقة في تاريخ مصرنا الحبيبة كله؟

وماذا يحدث لو أتى ديكتاتور جديد؟

سيروج هؤلاء الطغمة من الكتاب للديكتاتور القادم، فهم موقدو بخور السحت في معبد العهر والطغيان في كل العصور؛ ملكية كانت، أو جمهورية كانت، أو حكم سلطوي كان، أو حكم "ديكتاتوري دموي" كان كما هو الآن في مصرنا الحبيبة، أو أي شيء يكون في الحكم...

أما الأذرع الإعلامية التي تحدث عنها السيسي فليسوا بخفافيش ظلام، إنما هم عبارة عن سحرة فرعون الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا بتعمد...   

6- خفافيش الظلام في الشبكة العنكبوتية:

يأتون في صورة قراصنة (هاكر) يستولون على بريدك الإلكتروني، وحسابك في الفاس بوك، وحسابك البنكي، أو يستولي على حساب جامعة أو بنك أو أي منشأة أو منظمة...

ويدخل هذا القرصان على المنتديات ليفسدها أو حتى يدمرها إن شاء؛ لأنه لا يملك إلا بذور الشر يزرعها حيث شاء!  

ويأتون في صورة أسماء وهمية وحتى الجنس كثيرا ما يكون كاذبا؛ فالبنت التي تراسل شابا تكون ولدا والشاب يكون بنتا، وهذه المهازل تكون على أشدها في مواقع الزواج...

أعرف أحد المصريين تزوج من سعودية عن طريق الإنترنت، وبعدما وصلت مصر إذا به يصرخ ويقول شخصيتك غير التي في الصورة في موقع الزواج، ولم يدخل بها وطلقها، وكانت فضيحة بجلاجل وسلاسل وشوية شخلاليل...