وكأن الحياة تختبرنا فى أقوى ما لدينا كى تؤكد لنا أن هناك قوة تدير هذا العالم ولكى تبرهن لنا أن ما أوتينا من علم وقوة جسدية وعقلية ما هى إلا شىء قليل لا يُذكر امام قوة الله. فالقرأن كان حجة قوية للعرب بقوتهم وبلاغتهم المشهود بها.والسيدة مريمالعذراء ويوسف الصديق وغيرهم الكثير من المثلة التى تثبت أن الله لا يتحدى الضعفاء وإنما يتحدى أصحاب الهمم فى مجا لقوتهم ليعترف الجميع بأن ما لدينا ينفذ وما لدى الله باقى لا ينفذ. فلا داعى للغرور والكبرياء . فقد خلقنا الله فى كبّد وعناء، ضعفاء لا غنى لنا عن طلب معونته والتمسك بما أمر به قيقول سبحانه وتعالى:" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي كَبَد" . وكيف لا؟! أليس هو الخالق فهو سبحانه يعلم ما يجب علينا فعله وما لا يجب حتى الفتكير به لإستقامة حياة عباده وسعادتهم وفوزهم بالجنة الموعودة. وسعادتنا الدنيوية تكمن فى السمع والطاعة والعبادة الخالصه لوجهه الكريم. تلك السعادة التى أفنى الفلاسفة والحكماء حياتهم فى الحصول عليها وتعريفها لتابعيهم. بينما الأمر واضح لنا فى تعاليم أدياننا وفى تعاليم المشرع الواحد الأحد.فما خلق الله الإنس والجن إلا لعبادته ، متكفلا برعايتنا وسعادتنا.فيقول المولى عزوجل :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ".
"سيبدو من غير المعقول أن يكون مجتمعنا مخطئاً على نحو فادح في معتقداته، وأن نكون نحن - في الوقت ذاته - الوحيدين الذين أدركوا الحقيقة. إننا نخمد شكوكنا ونتبع القطيع لأننا عاجزون عن اعتبار أنفسنا رواداً في اكتشاف حقائق لا تزال صعبة ومجهولة حتى الآن". (الكاتب البريطاني السويسري آلان دو بوتون)
كان لليونانيين ،عام 399 قبل الميلاد، الكثير من المعتقدات السائدة. كانوا يشعرون بالتفاؤل بسبب إمتلاكهم العبيد. وكانت النساء خاضعات كلياً لسلطة أزواجهن وآبائهن، وكنَّ محرومات من الميراث ومن امتلاك المال. يُظهر لنا آلان دو بوتون ، من خلال نقاشات سقراط مع سكان أثينا في ساحاتها العامة، كيف كان يتقرَّب من الأثينيين، ليطرح عليهم الأسئلة، ويفسّر لهم سبب اعتناقهم تلك المعتقدات، وما يعتبرونه مغزى حياتهم، وليحدّد ما إذا كان السائد يحمل أيّ مغزى أساساً.
سقراط لم يتبرأ من فلسفته في المحكمة، ولم يتنازل عن أفكاره. فمن الممكن، بالطبع، التوصّل إلى الحقائق من دون تفلسف. لكن ما الذى يمنعنا من الوصول إلى الحقالئق بيسر؟ أولا: الإفتقار إلى الحجج المضادة التي تمنحنا القوة، لا بد من أن نشعر بالضعف أو التردد في تأكيد صحة مواقفنا، عدا عجزنا عن تفسير سبب ذلك. ثانياً: قد يتم إضعاف إرادة التشكيك الخاصة بنا على نحو كبير بفعل إحساس داخلي أن المعتقدات المجتمعية تمتلك أساساً منطقياً حتماً ، لأنها نقلت إلينا عبر عدد كبير جداً من البشر خلال زمن طويل.
لكن أرسطو لا يقلقه عدد المعارضين له، إنما ما يقلقه هو قوة الأسباب التي تدفعهم إلى المعارضة. فيقول أرسطو: "منطقية منهج تفكيرهم هو الذي ينبغي أن يحدد القيمة التي سنسبغها على معارضتهم لرأينا، واستحقاق الإحترام الفعلي لا ينبع من إرادة الأغلبية، بل من المنطق الملائم".
وأرى أن سقراط رجل مبادىء فلسفية إعتنقها من أجل تحسين أوضاع الأثينيين، لكنه أضاع فرصته فى النجاة من الموت: فكان الأجدر أن يقوم بدور الواعظ والمرشد الفكرى والفلسفى فيتبعه عدد غير قليل من أصحاب الفكر والعقول المستنيرة محافظا على حياته و مستقبل أسرته خيراً من أن يضحى بذاته وكيان أسرته ومستقبل تابعيه.فبالطبع إظهار الحقائق أو تغيير ثوابت مجتمعيه خاطئة يحتاج إلى مزيد من الوقت ومزيد من الفلاسفة والدعاة للإصلاح. لكنه تعجل الأمر وأصر أن يقطف ثمار فكره فكانت النتيجه صدامه بمعارضيه والسلطة السياسية الرافضه لما يدعو هو إليه.
وهذا ما يمكننى تسميته مثالاً متطرفاً للإحتفاظ بالثقة في موقف فكري يواجه معارضة لا منطقية، أن يدرك كلّ فرد منا كيف يصبح "حكيماً من خلال الفلسفة".
وسعى الفيلسوف أبيقور وراء اللذة الحسية، وكان يرى أن "اللذة هي منطلق وغاية الحياة السعيدة". فما الذى يجعل الحياة ممتعة من وجهة نظره؟ وهل هذه المتعة باهظة؟ بدا أن العناصر الجوهرية للذة لم تكن باهظة جداً. وكانت الصداقة أحد هذه العناصر. فقد أوصى بأنَّ على المرء أن يحاول أن لا يأكل بمفرده أبداً ( تذكر هنا نبى الله إبراهيم فقد كان هذا نهجه ولذته )، وأكَّد أن مجموعة صغيرة من الأصدقاء الحقيقيين قد تمنحنا الحب والإحترام اللذين قد تعجز الثروة عن منحهما.
كما رأى لذة فى مبدأ "الحرية": فمن حق المرء أن يعمل لدى من يُقدر جهده وألا يواجه نزوات مهينة محتملة.وبالفعل أشترى حديقة وزرع فيها مع أصدقائه أصنافاً عديدة من الطعام، ليوفر لهم فرصة عمل بحريتهم وحفاظا على كرامتهم من أى إهانه أوإستغلال.
ورأى أيضا لذة الحياة فى "التفكير": فهو يرى أن تحليل المشكلات والمشاعر التى تمر بالمرء سوف تساعده على معرفة الحلول لها وبالتالى سيطمئن من ناحيتها. يرى أن التحليل الواعي يهدئ الذهن. ويساعد على التكيّف معها بشكل أكثر مرونة.وبالتالى فالثروة ،من وجهة نظر أبيقور ، بدون أصدقاء أوفياء وبدون تفكير سليم وبدون الحرية لا تمنحنا السعادة أبدا. لكن التفكير والأصدقاء والحرية بدون ثروة هما أهم أسباب السعادة لديه. إذا فالسعادة لدية معتمدة على بعض الأمور السيكولوجية المعقدة، ولكنها مستقلّة نسبياً عن الأمور المادية، باستثناء الوسائل اللازمة لشراء متطلبات الحياة، والتى يمكن توفيرها بأقل إمكانيات مادية.
لكننى فى مجتمعاتنا الحالية أرى الأمر قد تغير كثيرا فالمال أصبح عنصر أساسى للسعادة . بل صار المال هو من يجلب لك الأصدقاء والحرية والتفكير والمفكرين لدعم أصحاب المال والنفوذ.فما الذى عزز سطوة المال على قوة هذه الأمور السيكولوجية؟!
"أدين بحياتي للفلسفة، وهذا أقل التزاماتي حيالها"(الفيلسوف الرواقي سينيكا).
يقول سينيكا أن الإحباط يأتى نتيجة تعارض أمنية مع واقعٍ قاسٍ. فما الحل من وجهة نظره للتغلب على إحباطات الواقع؟ الحل هو التحكم فى ردود افعالنا ونوبات الغضب ورثاء الذات والقلق والسخرية المريرة،حين نواجه ما يعارض أحلامنا. فبهذا نكون تمكنا من بلوغ الحكمة. فهو يرى أن من الأفضل تحمّل الإحباطات التي هيأنا أنفسنا لها، ومحاولة فهم معظم تلك التي فاجأتنا من دون أن نتمكَّن من إستيعابها. وبهذا نتجنب الإحباط وعواطفه الخبيثةالمرافقة.
عندما كان يُسأل عن كيفية ضبط إحباطاتنا، كان جوابه حاضراً ومباشراً: عبر فهم ما يمكن أن نتوقعه من العالم، وعبر خبرتنا بالنتائج الطبيعية لتوقعاتنا، فلا بد من تطويع أنفسنا مع اللاإكتمالية المتلازمة مع الوجو: فنحن نحيا فى عالم غير مكتمل فكرياً ومنطقياً. يراهن سينيكا على أننا حالما نتعامل بعقلانية مع ما سيحدث لو لم تتحقق رغباتنا، سندرك على نحو كبير أن المشكلات الضمنية أصغر من حالات القلق التي تولّدها. فالغضب لا ينتج عن ثورة وانفجار للمشاعر ، إنما ينتج من خطأ بسيط وقابل للتصحيح في التفكير" إذ إنه لا ينطلق إلا على إثر أفكار محددة متبنّاة عقلياً (موروثات فكرية بائدة)، ولن نغيّر نزوعنا إلى الغضب ما لم نغيّر هذه الأفكار".
وأرى أن نهاية سينيكا كانت خير دليل على أن إبتلاءات الدنيا تأت دائما بما لا تشتهى السفن. فقد عاش سينيكا فيلسوفا مدافعا عن دور الفلسفة فى مواجهة الإحباط، وها هو ذا يتجرع الإحباط ذاته حين طرق ضابط نيرون باب منزله، وأمره بأن يقتل نفسه، بعد أن كشفت مؤامرة للإطاحة به.. رغم عدم وجود دليل يربط سينيكا بالمؤامرة. وبدأت عملية الانتحار بالتعثّر. لم يجرِ الدّم بسرعة كافية في جسده الهرم حتى بعد أن مزَّق شرايين كاحليه ومؤخرتي ركبتيه.. فطلب تحضير سم الشوكران، ولكن لم يكن له أدنى تأثير. وبعد محاولتين فاشلتين، طلب وضعه في حمام بخار كي يختنق حتى الموت ببطء. وواجه المطالب الصادمة بكرامة.
كيف واجه الفلاسفة العجز الجسدى؟ وما دور الفلسفة فى هذا؟
مونتين. كان فيلسوفاً فرنسياً يؤمن، كما أبيقور، بأنَّ الصداقة مكوّن جوهري للسعادة، وكانت القراءة تشكّل مصدر الراحة في حياته: "الإلتجاء إلى الكتب هو كل ما أحتاج إليه كي أطرد الأفكار الكئيبة". آمن مونتين بأن الصداقة مميّزة، بحيث إنها لا تحدث إلا مرة كلّ 300 عام.
فميَّز بين التعلّم والحكمة. عدّ المنطق، التأثيل، القواعد، اللغة اللاتينية... ضمن تصنيف "التعلّم". وعرف الحكمة بأنها " أشد اتساعاً واطلاعاً وقيمة، وكل شيء يمكن أن يعين الإنسان على العيش الهانئ، ولو كان الإنسان حكيماً، فإنه سيخمن القيمة الحقيقية لأي شيء عبر مدى نفعه وملاءمته لحياته".
كان مونتين يعتقد أنَّ الحكمة لا تستلزم مفردات أو علم نحو تخصصياً، ولا يستفيد الجمهور من تضجيره، وليس ثمة أسباب موجبة كي تكون كتب الإنسانيات صعبة أو مملة، ولا بد من أخذ الكتب بجدية حتي تكون لغتها بسيطة وأفكارها واضحة، فما يهم فيها هو النفع والملاءمة فيما يخص الحياة. ودعانا كذلك إلى أن نمتنع عن اعتبار أنفسنا حمقى – بفعل الفقر في الميزانية أو التعليم - لو كانت ثيابنا بسيطة ومفرداتنا ليست أعظم من مفردات بائع في السوق، "فالحياة الفاضلة العادية الساعية إلى الحكمة من دون أن تكون بعيدة عن الحماقة، هي إنجاز كافٍ بذاته".
وبدراسة فلسفة شوبنهاور الألماني، تجده الأفضل بين الفلاسفة في مجال إنكسارات القلب. ترك له والده بعد انتحاره ثروة كبيرة، ولكنه لم يشعر بالسعادة إزاءها. عرف كأبرز أعظم التشاؤميين في تاريخ الفلسفة، وكانت أمّه تتذمّر من ولع ابنها "بالتفكر بالبؤس البشري". كان يرى أنَّ "هذا العالم لا يمكن أن يكون نتاجاً لكائن محب، بل كائن شرير، أوجد الخلق كي يبتهج لمرأى معاناتهم".
كان مختلف عن أبيقور ومونتين، فلم يكن لدية الكثير من الأصدقاء. ولكنه كان رحيما محبا للحيوانات. حاول أن يحصل على منصب جامعي في قسم الفلسفة في برلين وفشل فى وقت نجاح هيغل. حاول أن يصبح مترجماً، ولكن الناشرين رفضوا عروضه لترجمة كانط إلى الإنكليزية. وأعرب في رسالة عن رغبة كئيبة باحتلال "موقع في الحياة البرجوازية"، ولكنه لم يحقق أمنيته أيضاً. ولكن الأمور كلها تغيّرت بعد سنوات من التجارب المخيّبة، فاتسعت شهرته في أوروبا، وكانت المحاضرات تلقى عن فلسفته في الجامعات، ويتلقّى الكثير من الرسائل من المعجبين. وكان يرى أن عند حالات الرفض أو الخيبة، يجب أن ندرك أن حالتنا ليست سوى واحدة من بين الآلاف، لتصبح المعاناة أكثر قابلية للفهم، وأقل من أن تكون لعنة فردية.
مع نيتشه في ترى دور الفلسفة بشأن المصاعب. تقوم فلسفته في الحياة على تقبّل الألم والمصاعب، بل والترحيب بها، لتحقيق الإنجازات. كان يقول: "لأولئك البشر ممن أنا معني بهم بهذا القدر أو ذاك، أتمنى المعاناة، والأسى، وسوء المعاملة، والإهانات. أتمنى أن لا يبقوا غريبين عن ازدراء الذات العميق، وعن عذاب الارتياب بالذات وعن بؤس القهر". فهو القائل: " لا ينبغي أن نشعر بالحرج بسبب إبتلاءاتنا، إذ عبر إخفاقاتنا فحسب سينمو كلّ ما هو جميل"، أعلن نيتشه فلسفته وبقي ملتزماً بها رغم كلّ ما مر به من وحدة وفقر ومرض وألم. فكان ينادى بتحمل الصعاب وتوقعها للوصول إلى النجاح. فلم يكن يؤمن بالنجاح السهل .