في صباح يوم جمعة من شهر رمضان الحالي 1441 صحوت من النوم و بنشاط غير معتاد في حوالي الساعة التاسعة و النصف.. و كان الجو غائماً و براداً مغرياً للخروج من المنزل.. تواصلت مع أحد الأصدقاء و اقترحت عليه أن نستغل وقت رفع الحظر وان نخرج "تمشية" في هذا الجو الجميل. خرجنا سوية دون ان نناقش إلى أين سنذهب ؟.. هل إلى مكان قريب أو بعيد ؟ المهم هو أننا سلكنا طريقاً صحراوياً ذا مسار واحد يربط بين منطقتين إداريتين حركة السير عليه قليلة (طريق زراعي). و بعد سرنا مسافة تقرب من السبعين كيلو متراً، انقلب الجو و تغير بشكل كبير. فغدا حاراً لا يخلو من غبار بعد أن سطعت الشمس و تبددت الغيوم.
ثم انه قد حان وقت صلاة الظهر فأصبح همنا و نقاشنا هو أن نجد مكاناً نصلي فيه، و وجدنا أن جميع بوابات المزارع و المساجد التي توقفنا عندها كانت مغلقة على يمين الطريق و يساره.. و خالية من الناس !
و بعد أن اقتربت الساعة من الواحدة ظهراً و نحن نبحث عن مكان فيه ظل يمكننا من الصلاة. توقفنا عند مسجدٍ صغير على يسار الطريق، و لم يساورنا شك في انه مغلق كباقي المساجد التي مررنا عليها و لكن حينما دققنا النظر ببابه لاحظنا أنه غير مقفل.. فنزلت و دفعت الباب إلى الداخل.. و كانت المفاجأة هي أن المسجد كان فعلاً مفتوح و نظيف بفرشه و بارد .. و كان يجلس فيه شاب سوداني وسيم و ملتحي يقرأ القرآن. فرحب بنا ترحيبا حارا و كانت سعادته كبيرة حيث قال انه لا يغلق باب المسجد أبداً و لكن لا أحد يمر عليه للصلاة نظراً لقلة الحركة على هذا الطريق.
المهم صلينا فيه جماعة، و جلسنا ما يقرب من الساعة مستمتعين بالحديث مع هذا الشاب السوداني الذي تظهر على محياه و في ابتسامته الدائمة ملامح الصلاح...
و بعد أن أخذنا وقتنا و ارتحنا و أردنا العودة إلى أهلنا. ودّعناه و دعينا له له بالأجر و المثوبة على جميل صنيعه الذي جعلنا نصلي جماعة و نرتاح..ثم إننا أعطيناه الذي تيسر مما كان متوفراً ساعتها في جيوبنا. عدنا إلى "ديرتتا" قرب صلاة العصر و قبل انتهاء موعد الحظر.
في اليوم التالي و بعد الإفطار إذا بالشاب السوداني يتصل علي .. و كان يسلم بحرارة و يدعو لي و لصديقي و يشكرنا على ما قدمنا له من إعانة.
ثم قال: أريد أن اخبرك عن شيء يا أبا محمد ؟ فقلت: تفضل.
قال: أقسم لك بالله يا أخي أنني و قبل أن تدخلوا علي المسجد.. كنت أفكر في أين و كيف سأفطر ؟ فقد كنت وقتها لا أجد ما أفطر عليه من طعام !! و لا املك ما أشتري به فطور يومي !! و كنت أحدث نفسي بالذهاب لأحد المزارع مسافة حوالي كيلو متر حيث فيها عامل سوداني لأفطر معه..
و أحياناً أفكر بالذهاب إلى القرية القريبة (حوالي عشرة كيلو مترات).. لكني كنت اعلم انه لا يوجد إفطار جماعي في المساجد بسبب مرض كورونا الذي أغلق كل شيء !!. و كان يكثر من الدعاء لنا و يكرر شكرنا على ما قدمنا له من مساعدة!
فقلت إسمع يا أخي: أولاً عليك أن تشكر الله وحده الذي أمرنا في صباح يوم جمعة من شهر رمضان و الناس نيام..ان نأتي إليك مباشرة لم ننزل في اي مكان إلا في المسجد الذي وجدناك فيه.. ثم انه تعالى جعل الجو يتغير من غائم بارد جميل .. الى مشمس حارٍ و غائض إلى درجة أننا لم نجد مكاناً نصلي فيه إلى أن وصلنا إليك.. فالحمد و الشكر توجه به لله وحده.
ثانياً: يجب أن يزيدك هذا الموقف يقيناً أنه من يتوكل على الله فهو حسبه و يرزقه من حيث لا يحتسب..
"أمّن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء"
كان معي الأخ / حمد العودة..
كل عام و أنتم إلى الله أقرب 🌹