لقد ترك النادي الليلي على عجل ، كانت سهرته جيّدة ، لقد أكل كلّ ما كان يرغب فيه ، راقص الكثير من الفتيات ، عاد إلى شقّته وحيداً كالعادة ، في الليل شعر وكأنّ معدته تريد التخلّص من الطعام ، ظنّ بأن هذا إنذار كاذب ، فهو لم يستطع طرد الطعام من معدته بالرغم من محاولاته المتكرّرة ، وقد هضم ما أكله فلم يعد في معدته الآن طعام لكي يتخلّص منه ، عاد الإنذار عدّة مرّات ، وما أن وصل إلى المغسلة لكي يُغسل وجهه ، تفاجأ بطعام يخرج من معدته ، أحسّ بأرهاق كبير ، عاد إلى النوم ، وعاد الأنذار ، ذهب إلى الحمّام ، حاول إخراج باقي الطعام من معدته ، وعاد إلى النوم أكثر وهناً ، حاول أن يرتدي ثيابه لكي يذهب إلى الطبيب ، لم يستطع ، عاد إلى النوم منتظراً أن تتحسّن صحّته ، لكن صحّته ساءت ، لم يعد يستطيع الحركة ، نسي هاتفه على مغسلة الحمّام ، لم يعد مُتصلاً بالعالم .

إستيقظ على صوت رنين هاتفه ، لم يستطع الوصول إليه ، هذا إبن عمّه ، يعرفه من رنّته المميزة ، يبقى يرنّ حتّى آخر رنّة ، فكّر في نفسه : هل سيأتي لكي يتفقّده ؟ لكنه تذكّر إتفاقهما بعدم مجيئه إلاّ عندما يقول له بأنه في الشقة ولوحده ، بعد نصف ساعة عاد ليتصل ، هل سيأتي هذه المرّة ؟ لا فهو لا يريد أن يتصادم معه ، فقد كان يتبع أوامره بعدم إزعاجه ، نام حتّى الصباح ، إستيقظ على صوتٍ يشبه صوت أخيه ، هل أتى من أجله ؟ لكن الصوت تابع طريقه صعوداً ، مجرّد تشابه في الأصوات ، ألهاتف يرنّ ، ليته يستطيع أن يتحرّك ، إنّه سجين سريره وعجزه ، فجأة قال في نفسه : ليت منال تأتي الآن لتتفقدني ، منال !!!! عجباً فهو إنفصل عنها منذ شهرين ، طبعاً لن تأتي وهي لم تكن يوماً في

هذه الشقّة ، لكنّه تمتم بصوت ضعيف : منال ، فجأةً قدِمت منال من الغرفة المجاورة ، أتت بكلّ أناقتها ورقّتها وجمالها قائلة : آدم حبيبي سلامتك ، بصوت ضعيف قال لها : حبيبتي أنا آسف ،

لم أقصد أن أجرحك ، أجابته بعد أن جلست إلى جانبه على السرير : حبيبي لا تتكلم ، لقد سامحتك ، وفّر طاقتك ، أجابها : لا ، دعيني أتكلّم دعيني أقول بأنّي أحبّك ، منال ،

خذيني معك ، سألته : هل أنت واثق ؟ أجاب بالتأكيد ، وضعت يدها على رقبته فنهض من السرير ، زال ألألم ، لم يعد يشعر بالتعب ، ها هو في السيارة معها يذهبان باتجاه صور ، مرّا في قرية القعقعيّة ، شاهد مدرسته القديمة ، توقّف لكي يعيش دقائق مع الذكريات ، ألمدرسة تقع إلى يمين هذا الجسر الجميل والحديث ، جسر !! لم يكن هناك جسر من قبل ، كيف أنجزوه بهذه السرعة ؟ ما أجملها من طريق ، ألتلامذة كانوا يلعبون في باحة المدرسة ، من أين أتوا ؟ لقد توقفت هذه المدرسة عن العمل منذ أكثر من عشرين عاماً ، لكنّه إبتهج لرؤيتهم ، ليته يعود صغيراً ليدخل إلى هذه المدرسة من جديد ، هناك أوقات يحلم دائماً باسترجاعها ، وأشخاص أسِف لفقدانهم ، منال هي أحدهم ،

ها هي إلى جانبه ، ها هو يحصل على فرصة جديدة لن يضيّعها هذه المرّة ، مدّ يده من شباك السيارة وقطف وردة قدّمها لها ، وضعتها قرب أنفها وبدأت بالضحك ، ما أجمل ضحكتك قال لها آدم ، الطريق إلى صور بدت أطول من المعتاد ، فقد مرّا من دير قانون النهر منذ وقت طويل ولم يصلوا بعد ، قال آدم ل منال : ألم تشعري بأن الطريق أطول بكثير من المعتاد ؟ أجابته منال : وهل أنت على عجلة من أمرك ؟ هل سأمت الطريق وأنا معك ؟ أجابها : لا أبداً لكن أريد أن نصل ، أجابته : إذاً لندع السيّارة جانباً ونطير ، ضحك وأجابها : نطير !! ماذا يحدث معك ؟ قالت : ألا تثق بي ؟ تعال نخرج من السيّارة ، خرجا من السيّارة فأمسكت يده ، فجأة رأى نفسه واقفاً على شرفة شقّته معها ويستعدان للطيران ، لم يكن يتابع أخبارها ، لم يكن يعلم بأنها إنتحرت منذ أكثر من شهر ، منال لم تكن على قيد الحياة . ولدان كانا يلهوان أمام المبنى ، ركضا إلى والدتهما ليخبراها بأنهما شاهدا رجلاً وإمرأة طائرين باتجاه السماء ، أجابتهما : هذا إنعكاس ضوء لا أكثر ، لا تخبرا أحداً بذلك لئلا يظنّ بأنكما مجنونان .

مرّ يومان ، ولأنه لم يكن يردّ على إتصالات إبن عمه ، أتى إبن عمّه إلى المبنى ، وجد سيارته مركونة في مكانها ، علم بأنه في الشقّة ، وبعد أن قرع الجرس طويلاً ولم يسمع إجابة ، كسر الباب ودخل الشقّة ليجده جثّة هامدة تعلو وجهه إبتسامة .

تمّت