.. يجلسان تحت المطر وعيونهما في السماء.. يجلسان على الأرض ويستظلان بالغمام! . دفئهما ونورهما شمعة صغيرة ليسا بعيدين ولكن البعد لا يُنكَر! 

لست أدري ماذا يجول في خاطريهما ولكنني أعلم أن لحظة المطر إنما هي لحظة الغفران.. 

ها نحن ذا!  فقد مال أحدهما على الآخر بجناحيه معلنا انتصار صدق الموقف وهزيمة كبريائه.. وليس هذا فقط؛ فعلى الناحية الأخرى -وقبل أن يهم بإطلاق سراح مشاعره - كادت هي أن تسرع نحوه وتخبره في لطف أن الطقس سيئ اليوم فما رأيه؟!  

هي لا تستطيع حتما إخباره أنها متعبة من سوء الطقس وأنها مستحيل أن تترك مكانها وقد سبق وأن سعت إليه والسماء ترعد والبرق يومض وكان الخوف يتملكها ولكن روحها لم ترض إلا بهذا المكان.. فكيف تتركه هكذا بسهولة؟!!  

إنها تخاف البوح خيفة أن يخيب أملها.. أو أن تمض من هذا المكان الجميل مجبرة مكرهة على حالها.. تخاف أن يكون هذا هراء او أنها مازلت في وهمها الأول!  

.. تخاف -كل الخوف - ظلم روحها.. تخاف ان يكون لمعانها بقدر ظلامها فتُرَى باهتة كما تَرَى نفسها باهتة!  

.. دار كل هذا بخاطرها ولكنها اكتفت بالصمت فهي متعبة الآن ويبدو أن عينيها بدأت تخاف وتتلون بالأسود؛ فتوقفت  عن النظر للسماء والنظر يمينا على السواء.. لقد انطوت على نفسها ويبدو أنها بدأت تغلق عينيها وتتمنى أن يهطل السلام في محيطها كما تهطل الأمطار ها هنا!  

.. هكذا كان حالها حتى شعرت بدفء يديها وتوقف المطر ولكنه مستمر!  

ماذا حدث؟

لقد انتصر صدقه.. لقد تدفق خوفه.. وتألق على كبريائه!  

لم أسمع منهما كلمات.. لكنني شهدت التقاء العيون مع نظرة كنظرة المريض بعد شفاء.. فعجبا!

"إنَّ بّعضَ الأمراض تَشْفِي "