- أخبرتهم في لحظة شوق أنني أشتاق لرائحة الوطن، تفاجأوا من كلماتي، كيف يكون للوطن رائحة؟؟
- بل للوطن رائحة، إحساس قوي في حاسة الشم تحفز الذاكرة لكل تلك اللحظات التي قضيتها بحضن الوطن.
- رائحة خبز أمي الساخن الذي يرافق رائحة كوب الشاي الأخضر و النعناع، ذلك الإحساس القوي بأن الدنيا سوف تتوقف إن لم تستنشق تلك الرائحة الصباحية قبل ان تباشر حياتك اليومية
- رائحة المطر و هو يبلل التراب تفوح من الأرض رافضة أن تعترف أن الماء لا رائحة له، ذلك المزيج الذي طالما تخيلت نفسي أجمعه بهوس جان باتيست جرونوي و أضعه في قارورات أتعطر منها وقتما أشاء
- رائحة مطبخ أمي الاستثنائي بكل تلك التوابل التي أعرف مسميات نصفها و تخونني ذاكرتي في النصف الآخر، تلك الروائح الممزوجة بذوق رفيع كأنها عطر فرنسي عريق، تعرف بعض مكوناته و تعشق الباقي عشقا أعمى، لم أشم يوما مطبخا بتلك الذاكرة القوية كمطبخنا، نشتهي الطعام منذ أول خيوط البخار الصاعدة إلى السقف بعنفوان
- رائحة فرن الحي الذي لا يضيغ فيه خبزنا وسط كميات خبز نساء الحي، فهناك رجال يتعرفون على الخبز من رائحته و تجده يعرف خبزك أكثر منك، تدخل إلى ذلك المكان كأنه عالم من الروائح رائحة خبز الشعير لجارتنا العجوز التي لا تحب الطحين الأبيض فالشعير بالنسبة لها يبرز مدى شطارة المرأة في عجن الخبز، و رائحة خبز القمح لجارتنا زوجة البقال التي تفتخر بأن القمح طعمه أفضل و أروع، و خبز الطحين الأبيض لزوجة المعلم التي لا يهمها التباهي بقدر ما يهمها أن تخبز الخبز بسهولة.
- رائحة حمام الحي البلدي حيث النساء يتبادلن روائحهن الخاصة و المفضلة، رائحة الحناء المخلوطة بماء الورد، رائحة الصابون البلدي، رائحة الطين الأخضر، رائحة الأعشاب، رائحة البرتقال كفاكهة أساسية ترافق النساء داخل الحمام في حالة نزل ضغطها من الحر، بل أيضا رائحة الرايب الذي يبيعه صاحب (المحلبة) قرب الحمام بعد الخروج منه.
- رائحة الوطن هي كل الذكريات التي ما تنفك تهجم على ذاكرتي كلما شممت شيئا عشته في وطني، رائحة أمي و هي تخرج من غرفتها صباحا لتوقظ النائمين، رائحة أبي و هو يشرب قهوته الصباحية بهدوء، رائحة أخواتي و هن يتناقشن حول أي الفساتين يرتدين اليوم للخروج، رائحة الشوارع و الأماكن و المقاهي، رائحة عطر صديقتي الذي ليس بتلك الروعة لكنه صار رائعا منذ وضعته على جسدها،
- أليس للوطن رائحة؟؟؟