كثيرة هي المفارقات التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الاجانب والغرباء والدخلاء وبين ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ وتترجم حالة من التناقضات المتجذرة داخل الوعي لدى الطرفين قد تصل الى حالة التقاطع ؛ فشتان بين الثريا والثرى , وبين العباقرة الأفذاذ وليوث الهيجاء وفرسان الوغى وكرام القوم وجماجم العرب وبين الذين لا يميزون بين الناقة والجمل ؛ نعم الاختلاف بين الامم والشعوب من سنن الحياة , الا ان العجيب في الامر؛ ان البعض يدعي الهوية العراقية وهو يتخلق بالأخلاق ويتصف بالعادات والسمات الاجنبية والغريبة والمغايرة تمام المغايرة للهوية الوطنية والاصالة العراقية والقيم والمثل التاريخية والاجتماعية الوطنية .
في الوقت الذي قامت فيه الدنيا ولم تقعد ؛ عندما تم اكتشاف بعض السجون في سوريا بعد احداث عام 2011 , وبعد سقوط نظام بشار الاسد البعثي ؛ وضج الشعب السوري واستنكر العرب بمختلف بلدانهم وتعالت اصوات الفضائيات والاذاعات والصحف والمجلات ومراكز الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي , وسلطوا الاضواء على تلك السجون وظروف السجن واحوال المعتقلين والسجناء و وسائل تعذيب السجانين والجلادين , حيث رسموا الصور واللوحات التي توثق تلك الظروف والانتهاكات , واعدوا الافلام الوثائقية والافلام السينمائية , وكتبوا الروايات والدراسات والمقالات حول حقوق الانسان ومظلومية السجين السوري واجرام النظام البعثي في سوريا , حتى وصل الامر بالشعب السوري والمعارضة السورية بمطاردة كل شخص عمل في تلك السجون فضلا عن ملاحقة مدراء السجون والسجانين والجلادين وضباط التحقيق ؛ والتفتيش عنهم في كل مكان , ومصادرة املاكهم , والبعض منهم وقع بأيدي السوريين والحركات والفصائل المسلحة وقاموا بقتله وسحله والتمثيل بجثته وقد شارك الجميع في ذلك ؛ حتى قبر الرئيس حافظ الاسد تم نبشه وحرقه ... الخ ؛ حتى ابناء الطائفة السنية والبعثية في العراق شجبوا تلك الجرائم والسجون وعابوا نظام البعث السوري وتبرؤا منه ...؛ الا ان العجيب والمحير في الامر , ان هذه الشراذم والفلول والشعوب والجماعات والكتل والاحزاب والفصائل والتنظيمات والكتاب والاعلاميين والساسة والشخصيات العربية فضلا عن ايتام النظام وزبانية البعث وابناء الطائفة السنية والدونية من المحسوبين على الأغلبية والامة العراقية ؛ التزموا الصمت وكأن على رؤوسهم الطير عندما سقط نظام البعث الاجرامي في العراق عام 2003 , مع الفارق الكبير بين جرائم وسجون ومعتقلات النظامين , اذ تعد سجون الاسد قصور راقية بالنسبة للمعتقلين والسجناء العراقيين , و وسائل تعذيب البعث السوري بدائية اذا ما قورنت بأجهزة التعذيب البعثية الصدامية , واعداد ضحايا السجون والمعتقلات وغرف التحقيق والحروب في سوريا ؛ كأنها نقطة في بحر مقارنة بملايين الضحايا من العراقيين .
ولو أن هيئة انسانية أو منظمة دولية أعدت سجلا بأنواع الجرائم، التي ارتكبتها ابشع الانظمة العنصرية والطائفية و الدكتاتوريات السياسية والشخصيات الاجرامية المريضة ، منذ بداية التاريخ الميلادي ، وحتى الآن، لوجد لكل تلك الجرائم نظيرا لها في ما اقترفه النظام البعثي الصدامي البائد وازلامه وايتامه وزبانيته من القتلة المجرمين والذباحة الطائفيين ؛ فلم يَدَعْ النظام البعثي الطائفي المجرم واتباعه وانصاره وجلاديه جريمة على وجه الأرض، إلا وارتكبها واقترفوها في العراق لاسيما في مدن وقرى ومناطق الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ ولم يكتف المجرمون الصداميون والقتلة العنصريون والسفلة الطائفيون من ابناء الفئة الهجينة ومن المحسوبين على الطائفة السنية الكريمة بكل تلك الجرائم والمجازر التي ارتكبوها خلال اربعة عقود من الزمن او اكثر ؛ بل ساروا بنفس السيرة الطائفية ولم يغيروا المسيرة الاجرامية حتى بعد سقوط النظام عام 2003 ؛ ومع ذلك لم يطالب أحد من الذين ذكرناهم انفا بمحاسبة القتلة البعثيين والزبانية الصداميين وضباط التحقيق الجلادين والسفلة الارهابيين والذباحة الطائفيين ؛ ولم نشاهد اقامة القصاص العادل بحق مدراء السجون الصدامية الرهيبة ومعتقلات البعث المرعبة , او الاقتصاص من السجانين المجرمين وضباط التحقيق الجلادين , ولم نسمع بمصادرة اموالهم وممتلكاتهم وبيوتهم , او ملاحقتهم في المدن والقرى والبلدان , وكذلك لم يتطوع الفنانون او الكتاب او الاعلاميون لتسليط الاضواء على تلك الحقبة الدموية السوداء وكشف جرائم البعث ومجازر صدام الرهيبة , والتعريف بمعتقلاته وسجونه التي ملئت ارض الرافدين من زاخو الى الفاو , والتحدث عن اعداماته الاعتباطية وحروبه العبثية وعمليات التهجير والتطهير العرقي والطائفي ومقابره الجماعية , و الكلام عن قصص استهتار عدي وقصي ورعيان العوجة وسفلة تكريت ؛ اذ من النادر ان تجد لوحة فنية او فلما وثائقيا او سينمائيا او قصة او رواية تجسد تلك المجازر والجرائم والسنوات العجاف وايام الجمر والنار .
والمتابع لهذه المقارنات يقع في حيرة من امره , ويتساءل : لماذا يبكون ضحايا نظام البعث السوري على قلتهم ويغضون الطرف عن ضحايا البعث وصدام على كثرتهم ؛ ويتعجبون من سجون الاسد القليلة والتي هي افضل بمئة مرة من معتقلات صدام الرهيبة وسجون البعث العراقي الكثيرة والتي لا تحصى , ولماذا يعتذر البعثيون السوريون للشعب السوري وللضحايا , وكذلك الكتاب والفنانون والاعلاميون المتعاطفون مع نظام الاسد عن جرائم نظام البعث والاسد ؛ بينما لم تصدر كلمة اعتذار واحدة من البعثيين والصداميين والطائفيين في العراق قط , ولم تصرح الجوقات الفنية والثقافية ومرتزقة الاعلام البعثي والصدامي والطائفي بإدانة جرائم النظام البائد او التبرؤ من مجازره وافعاله النكراء ... ؛ ولعمري هذه المفارقات من المفارقات العجيبة الغريبة والتي تحتاج إلى مزيد من الدراسات النفسية والاجتماعية وتبيان اسبابها وتداعياتها وكيفية التعامل معها ؛ فالغالبية العظمى من الشعوب العربية والاكثرية من الطائفة السنية في العراق ؛ والقلة القليلة من الدونية المحسوبين على الاغلبية والامة العراقية ؛ لا يعترفون بجرائم البعث وصدام , ويسدلون الستار على الملفات الخطيرة وانتهاكات حقوق الانسان العراقي الموثقة في الامم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية , ويعملون جاهدين على تبييض صفحة صدام والبعث , ويشككون بكل الحقائق والوقائع التي تفضح صدام والبعث , وينكرون كل مجازر صدام وجرائم البعث , ويقلبون الامور رأسا على عقب , وبعضهم يكذِّبون أبصارهم ويصدِّقون ما يقوله الإعلامّ الطائفي والبعثي والعربي الحاقد ...؟؟!!
في سوريا الان يلاحقون ازلام البعث والاسد , ويقيمون الحد فيهم وامام الناس , ويعرضوهم لأبشع انواع القصاص والعذاب وبحفلات جماعية اشبه بحفلات العصور الوسطى البدائية , وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي تلك المشاهد من دون خوف او استنكار او شجب , ويعمل فريق الجولاني على مطاردة رجالات النظام في الخارج ومتابعتهم , ويرفع دعوات ضدهم في المحاكم الدولية ويطالب بتسليمهم للسوريين ؛ بينما قام العراقيون - لا اقصد الاغلبية العراقية بل الكتل السياسية المرتبطة بالخارج والاستكبار - بتكريم البعثيين وجلادي الاجهزة القمعية ومجرمي الحرس الجمهوري الخاص وعناصر المخابرات وايتام النظام وازلام البعث والبالغ عددهم اكثر من 550 الف فضلا عمن جاء بعدهم من الارهابيين من عناصر الحركات الطائفية والتكفيرية والارهابية والذين سجلوا ضمن ضحايا الارهاب والصحوات وغيرها ؛ فكل هؤلاء يتقاضون رواتب تقاعدية مجزية جراء خدماتهم التاريخية في ازهاق ارواح الملايين من العراقيين وتعذيب اجيال الاغلبية والامة العراقية , بل ان الكثير منهم انخرط في الحكومات العراقية المنتخبة , وحصل على الكثير من الحقوق والامتيازات ؛ ولعل هذه الحالة السياسية تعد من اغرب الحالات السياسية في العالم ؛ فلأول مرة يتساوى القاتل والمقتول بل يقدم الجلاد على الضحية ؛ والأغرب من ذلك كله فهو تعايش بعض المجتمعات العربية مع كثير من المفارقات التي تلطم وجوههم بسيل من المتناقضات العجيبة التي تحيل كل فرد منهم الى شخصية ثنائية التركيب الشعوري والذهني والروحي!!
نعم اذا عرف السبب بطل العجب ؛ فالسبب الرئيسي في ذلك كله , ان تلك النماذج البشرية التي ذكرناه انفا ؛ لا تتعاطف مع المظلوم المختلف عقائديا معهم , فهم يمجدون السفاح الحجاج والمجرم صدام لانهما حاربا التشيع الاسلامي وقمعا الشيعة , بالإضافة الى انهما من المحسوبين على الطائفة السنية ؛ بل وصل الامر بهذه الشراذم المنحرفة ان تفرح عندما يقوم الصهاينة او الامريكان بقصف مناطق الشيعة وقتل واستهداف عناصر المقاومة الاسلامية الشيعية , فضلا عن ان اغلب هؤلاء يعانون من عقد العبودية والدونية والانسلاخ عن قيم الحق والعدل ؛ فهم كالنساء التي تعشق الرجال الاقوياء ؛ كذلك هذه النماذج البائسة تعشق الرمز حتى وان كان عميلا مزيفا او ممثلا كاذبا بارعا او قاتلا سفاحا , فهم لا يستطيعون العيش من دون قائد يسحق على رؤوسهم بالحذاء او حاكم دكتاتور يصفقون له بسبب ومن دونه اناء الليل واطراف النهار , ولا يتصورن الحياة من دون هذه الرموز البائسة والقيادات العميلة الظالمة , فهم كالمرأة التي تقع في عشق الرجل الخائن – زير النساء – فلو حدثتها بألف قصة عن خيانة حبيبها لا تصدقك ؛ كذلك هؤلاء لا يعترفون بجرائم رموزهم العربية والسنية ولو رأوها بأم العين ...!!