"هذي ربوعكم وتلك ربوعنا ** متقابلين نعالج الأياما
هذي قبوركم وتلك قبورنا ** متجاورين جماجماً وعظاماً
فبحرمة الموتى وواجب حقهم ** عيشوا كما يقضى الجوار كراما"
"أعهدتنا والقبط إلا أمة ** للأرض واحدة تروم مراما
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم ** ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله ** لو شاء ربك وحد الأقواما"(أحمد شوقى)
الإحترام يُكتسب مثل كل الفضائل بالجهاد والمحاولة، وينمو طبيعيا في بيئة صحية داخل كل أسرة يحترم فيها كل شخص الآخر.. الأب يحترم الأم .. والأم تحترم الأب حتى في غيابه.. والأولاد يحترمون الكبار.. والوالدين يحترمون الأولاد.. وهؤلاء الأطفال لابد لهم يوما أن يحترموا زوجاتهم وأزواجهم لأنهم لم يعرفوا إلا الاحترام كأساس لكل العلاقات.
وأن كل طرف في علاقة زوجية عليه تعلم فن الإنصات للآخر واستيعابه وتقبل وجهات نظر بعضهما البعض فإحترام الرأي أمر ضروري يقرب بين الطرفين ويساعدهما على إستيعاب واجباته العائلية مع تقبل فكرة التضحية من الطرف الآخر لإنجاز اسري مثمر وحياة زوجية مستقرة مبنية على المشاركة والتفاهم بين الزوجين.
ولم يكن لقب "إمرأة جوناي" فى الأدب اليونانى سوى لقب احترامى فى هذا الزمان وبعده فيخاطب «أوديسيوس» زوجته المحبوبة «بنلوب» بلقب «امرأة» وأغسطس قيصر خاطب كليوباترا ملكة مصر بنفس اللقب «امرأة» مما يدل على ما كان لهذا اللقب من تكريم واحترام.
والإحترام فى الديانة المسيحية رائع وواضح رغم التناقض فى العلاقة بين المسيح عليه السلام وأمه السيدة مريم العذراء كأبن وأمه، وبين باقى علاقات الأبناء وأمهاتهم. يقول المسيح : «من هى أمي؟ ومن هم إخوتي؟» (مت ١٢: ٤٨)، إذ لم يفكروا بعد فيه كما يجب. وهى إذ ولدته أرادت كعادة بقية الأمهات أن توجهه فى كل شيء كسائر الأمهات، بينما كان يلزمها أن تكرمه وتسجد له. فقد كان كلاهما حريصًا على تكريم وإحترام الأخر. لم يقل المسيح «يا أماه» بل «يا امرأة»، وهو تعبير يونانى فى الكتاب المقدس يدل على المساواة وتعبير احترام وعطف مبالغ. وهذه لغة وحياة الصفوة والأنبياء.
ولكن ماذا عن الإحترام بين الأزواج؟ ماهية الزواج وفطرته تقوم على أساسا على أنه مدرسة للفضائل… يتمرس فيه الزوجان على الحب والعطاء والبذل والتضحية والوفاء والإخلاص والاحتمال والإحترام والتواضع والحكمة. هــو وسيلة للتخلص من الكبرياء والأنانية والمادية والطمع والرياء. هــو فن يتعلمه يتعلمه الأطفال من أبويهم الأنقياء.
ولكن للأسف الشديد أصبح عدم الإحترام بين الزوجين من أكثر المشاكل الزوجية اليوم. الإحترام يعني إحترام الرأى ..الكلام.. الحرية.. الأهل.. العمل.. لحظات الضعف.. أمام الناس ومن وراء الناس،سرا وعلنا. ولكى يتم ذلك لابد من إتباع بعض الخطوات مثل: الاستماع الجيد... فالزوجة الزوجة لا تحتاج إلى حلول عملية لما تقول من مشاكل، إنما تحتاج إلى أذن صاغية ويد حانية وحضن دافئ ، وهذا يكفي لحل كل المشاكل.
تقدير الرأى: تسفيه رأى الآخر.. والسخرية منه يكفي لإثارة الغضب وأحيانا العند وبالتأكيد النكد؟!و احترام الأهل عامل مهم بناء حياة يسودها إحترام متبادل:
وفى عالم الأدب وواحته نجد الإحترام فيما دعى إليه الكاتب المسرحي النرويجي الشهير هنرك ابسن الذى يُعد من مناصري المرأة والمدافعين عن كرامتها المهدورة في مجتمع ذكوري لا تتساوى فيه الحقوق والواجبات بينها وبين الرجل، خاصة كزوجة وأم. وتلمس ذلكفى مسرحيته "بيت الدمية"حيث تظهر دمية ابسن في بداية المسرحية وكأنها امرأة مدللة تسيطر عليها سمات الطفولة. وهى من وجهة نظرزوجها "تورفالد" لا تتسم بالذكاء فهي تطلب منه الاقتراض من أجل مصاريف أعياد الميلاد وهو ما يرفضه بشدة، كما جاءت انفعالات "تورفالد" كرجل قوي يرفض سيطرة فكرة الديون على حياة منزلية من المفترض أن تعتمد في أساسها على الصبر والكفاح ولكن مع نهاية الأحداث تتبدل الانطباعات الأولى بكشف الهوية المشوشة لكل شخصيات المسرحية.
لكنك تلاحظ فيما بعد أن "نورا" تعتمد في تصرفاتها مع زوجها وأبنائها على مبدأ التضحية في مجتمع لا يعترف بعمل المرأة المتزوجة فهي مسؤولة من رجل ذو كرامة وكبرياء، تحاول نورا العمل في اشغال الابرة والتطريز لتشارك "تورفالد" أعباء الحياة دون علمه، كما حصلت في يوم على مهمة نسخ مجموعة من الأوراق فحبست نفسها وعكفت على الكتابة حتى ساعات متأخرة من الليل ، ومع أزمة تسديد دين الرحلة العلاجية لا تدخر من مصروف البيت أو مصروف الأولاد ، مرددة : "أنا لا أستطيع أن أحرمهم من شيء"، ولذلك تستقطع من مصروفها الخاص وتصرف النصف فقط وتشتري الأرخص لها.
والزوج يعلم أن زوجته فائقة الجمال ، ولكن عند حديث العقل فهو منذ زواجه منها لا يبادلها الحوار في أي موضوع جاد؛ فعندما تقول له " أنت محق في كل ما تقوله يا تورفالد" يزداد حبه لها فبدلًا من أن تكون هي المرأة "العنيدة" تصبح نورا "المعتدلة" .. كما ينصح "تورفالد" الطبيب "رانك"، بسخرية وأمام الجميع، ألا يتناقش مع نورا فهي "لا تستطيع التحدث في الأبحاث العلمية".
لم يحاول "تورفالد" أن يتفهم تصرف "نورا" ويسألها عن أسباب الاقتراض من شخص غريب دون علم زوجها فبدلًا من أن يحترم عقلها ويحاول حمايتها بألا يخضع لشروط "جروكشتاد" ويتقدم ليتحمل هو المسؤولية عنها، دفعه خوفه على منصبه الجديد كمدير للبنك ليوبخها أنها هي السبب في أن تهتز صورته أمام الجميع ، قام "تورفالد" بتعنيف نورا بعصبية شديدة؛ ماذا سيفعل لو قام "جركشتاد" بنشر الفضيحة على الملأ ؟، و"ما هو العذر الذي سيصدقه الناس بأنني لم أكن الفاعل الحقيقي وراء ستار؟!" .
واجهت "نورا" كل تلك الاتهامات بالصمت حتى أخبرها أنه لن يترك لها تربية الأطفال فتصرفها ذلك المُشبع بالأكاذيب سيرسل سمومه حتمًا للأبناء، وبعد ثلاثة أيام أرسل "جروكشتاد" لـ "تورفالد" ورقة تفيد بإنهاء الدين مما جعل الأخير يشعر بأن الخطر قد زال صارخًا "لقد نجوت"، فسيسامح "نورا" الآن ادراكًا منه بأن ما فعلته كان بدافع حبها له وهو ما قابلته "نورا" بتهكم ورفض ودفعها لاتخاذ قرار بالانسحاب من المنزل والانفصال عن "تورفالد" والأولاد لتعيد التفكير في حقيقة العالم المحيط بها.
وتنعم السينما اليابانية بطقس االإحترام الذى يسيطر عليها ويستأثر بالمُشاهد في كل المَشاهد وأغلب الأفلام تحفل بطقس الاحترام المتبادل بين الشخصيات في علاقتها بالأمكنة، حيث التحايا الواجبة والمفروضة بين الصغار والكبار في السلام والكلام والأكل. مما يفرض علينا نوعا من المقارنة بين هذا الانضباط الكبير وهذا التنظيم المنجز بحس أخلاقي كبير وبين هذا الاحترام الذي يهرب فينا أجيالا بنوع من التباعد والحسرة. في هذه السينما تتجنب الكلام الساقط والهوات السحيقة والمنزلقات والمشاهد الفاضحة وتكتفي بالإشارات والتلميحات دون الغوص بعيدا في مشاهد البوح والفضح.
يرفض الكثير من المخرجين فكرة وجود سينما بالمفهوم الأخلاقي معتبرين أن ليس هناك فنا محترما وفنا غير محترم، ولكن هناك فكرة يدافع عنها المخرج في قوالب إبداعية ووفق ما يتطلبه المشهد الدرامي من جرأة وحضور وحوار كاشف…لكن هناك تيار من المخرجين والممثلين ينزعون أن السينما والفن عموما يجب أن تغلفه قيم الاحترام دون الانحدار في مهاوي الإسفاف والرذالة والمشاهد الفاضحة وتكرار القبل والممارسات الجنسية… المفتعلة وإقحامها في العمل الفني، التي تسيء إلى الفيلم برمته باعتباره يوجه إلى جمهور عام ومختلط.