Image title
بين "كوريولانوس" شكسبير و"ترامب" أمريكأبقلـــم الأديب المصرى د. طــارق رضـــوان

بين "كوريولانوس"  شكسبير  و"ترامب" أمريكأ

بقلـــم الأديب  المصرى

 د. طــارق رضـــوان

"القحط من صنع الآلهة لا الأشراف، والخضوع لها، لا رفع السلاح، هو الذي يفيدكم. فأنتم إنما تطعنون في مسيّري الدولة المعنيين بكم كالآباء عندما تشتمونهم كالأعداء":

هكذا  تعامل منينيوس (أحد النبلاء وعضو مجلس شيوخ بروما) مع الجماهير الساخطين ويهين أحدهم، مؤكدا أن ما ينبغي أن يفعله الجياع واليائسون هو الصلاة وليس طلب الإغاثة.

ويصر منينيوس على أن من هم في السلطة لا يتحملون المسؤولية عن الكارثة التي يواجهها المواطنون العاديون الآن. ويضيف منينيوس أن الشكاوى ضد قادتهم يجب أن تتوقف. مسرحية الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، غايوس كوريولانوس أو غنايوس ماركيوس، عن بطل أسطوري روماني من أصل أرستقراطي تروي الحكايات أنه تم نفيه من روما فعاد إليها على رأس جيش من الأعداء.

فإنزعاج أصحاب السلطة بشدة بسبب  ما أطلقوا  عليه "نكران الجميل"، وهي كلمة ذكرت عديد المرات في مسرحية شكسبير  أمر تاريخى موروث مشترك بين الماضى والحاضر.

ففي أوائل القرن الـ17، بينما كان يكتب شكسبير مسرحياته، اجتاح الطاعون لندن ولم يكن أحد يعرف سببا له، لكن المسؤولين أدركوا أنه من الضروري اتخاذ إجراءات تتعلق بالتباعد الاجتماعي، وأن المسارح المزدحمة كانت تشكل خطرا كبيرا.

مسرحية “كريولانس” التراجيدية التي تناولت “العدوى” و”الطاعونو”جثث الرجال الذين لم يدفنوا” ربما تكون كتبت عام 1608، في أعقاب انتفاضة شعبية في مدينة ميدلاندز وسط بريطانيا احتجاجا على الأضرار الفادحة التي تسببت بها الرأسمالية الزراعية، وتعد المسرحية بمثابة سرد لما يحدث في زمن الأزمات.

واستلهم شكسبير قصتها من حياة القائد الأسطوري الروماني “غايوس كوريولانوس” الذي سجل قصته الفيلسوف والمؤرخ اليوناني فلوطرخس المتوفى عام 125م ضمن تدوينه لحياة النبلاء الإغريق والرومان. وفي الواقع، بدأ فلوطرخس سيرته الذاتية مع الأعوام الأولى لكريولانس. أما شكسبير، فقد بدأ قصته عندما أصبح مواطنو روما، الذين لم يتمردوا بسهولة، يائسين بما يكفي لمواجهة أولئك الذين يحكمون ويتولون السلطة.

مسرحية “كريولانس” التراجيدية التي تناولت “العدوى” و”الطاعونو”جثث الرجال الذين لم يدفنوا” ربما تكون كتبت عام 1608، في أعقاب انتفاضة شعبية في مدينة ميدلاندز وسط بريطانيا احتجاجا على الأضرار الفادحة التي تسببت بها الرأسمالية الزراعية، وتعد المسرحية بمثابة سرد لما يحدث في زمن الأزمات.

واحتج آلاف العمال، في المسرحية، على تسييج أصحاب الأراضي الأثرياء المراعي المشتركة بأسوار، وتبع ذلك قمع أصحاب السلطة والنفوذ بشكل وحشي تلك الثورة الاجتماعية، ما أسفر عن مقتل عشرات المتظاهرين، ثم وقع إعدام زعماء العصابات وفي بعض المناطق، خزّن الأثرياء المواد الغذائية. وهذا ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الحبوب، وتلا ذلك حدوث مجاعة.

في نسخة فلوطرخس، تأثر الرومان سلبا بسبب سعر الفوائد الربوية المرتفع، لكن شكسبير في مسرحيته غيّر طبيعة شكواهم، حيث أصبح المواطنون الجائعون غاضبين من حقيقة أن الأغنياء يخزنون الإمدادات الغذائية التي هم بأشدّ الحاجة إليها. وتحقيقا لهذه الغاية، أعاد شكسبير صياغة “حكاية البطنالشهيرة لفلوطرخس، وهو خطاب يهدف إلى إسكات المعارضة، يلقيه الأرستقراطي البليغ منينيوس.

والثابت من جلسات الإحاطة اليومية التي يعقدها البيت الأبيض حول فيروس كورونا  أن الإهانات ورفض قبول المسؤولية امر  ورا ثى بين  أبناء الطبقة الحاكمة  ، وفي المقابل ينتهي دفاع منينيوس عن سياسات الحكومة بأمره الحشد الجماهيري الغاضب بالتراجع، إذ إنهم مخطئون في الاعتقاد بأن المخزونات التي يسيطر عليها من هم في السلطة هي ملك للشعب، لأن الحكومة هي في الواقع "مخزن الجسم كله وحانوته"، وأن "ما من خدمة عامة تنالونها إلا وتصدر عنهم وتنبثق منهم لا عنكم أو منكم أنتم".

 فقد صرح صهر الرئيس الأميركي بأن “فكرة المخزون الاتحادي (من المعدات الطبية) هي أن يكون هذا المخزون "ملكنا"، مضيفا ليس هذا مخزونا للولايات تستطيع استخدامه كما تشاء".

ولك أن تقارن هنا بين  موقف وتصريح  الرئيس الأمريكى ترامب  من  جائحة 2020 وبين البطل الأسطورى كوريولانس:  تغريدة ترامب مطلع أبريل 2020 التي قال فيها "يحمل البعض شهية مفرطة ولا يشعرون بالرضا (السياسة؟). تذكر، نحن نمثل غطاء لهم. كان على المتذمرين أن يجهزوا أنفسهم قبل وقت طويل من وقوع هذه الأزمة" تذكرنا بإستهانة البطل كوريولانس بالأشخاص غير الممتنين الذين يفترض بهم أن يكونوا على علم بجهوده وإنجازاته؛ فكلاهما يتصف  بشخص غريب  يفتقر إلى التعاطف، والذي دفعه مؤيدوه لإعتلاء منصب سياسي لا يناسبه تماما.

 فهل سيحصل المواطن الأمريكى على الإمدادات المخزنة في الوقت المناسب؟ وما إذا كانت غالبية المواطنين في الولايات المتحدة  الأمريكية ستصل إلى النقطة التي يطفح فيها كيلهم، ويبدؤون في البحث عن خيار آخر؟ فهذا  ما  حدث فى روما قديما فقد كانت فى  حالة حرب مع المدن المجاورة لها وكانت على شفا حرب أهلية .