في الشهر الماضي نوفمبر 2015 ، كنت شاهدا على منعطف جديد في حياتي، اخترته عن وعي لماذا وإلى أين. فاليوم أنا باحث عن التحول. وليس عن تغيير طويل. ولا عن تعديلات مؤقتة، بل عن النقلة في مستوى الوعي والتي ستنعكس واقعا عمليا عبر أدواري الحياتية المختلفة.
وبت أكرر كثيرا الجملة التالية : " السيادة من خلال المعرفة" و أقول المعرفة وليس المعلومات. فالمعلومات اليوم متاحة للاطلاع والتجميع عبر نقرات سريعة في جوجل لكل أحد. لكني أقصد بالمعرفة هي مجموع تجاربنا وإنجازاتنا والتي تسير بتناغم بين التنظير والجهد العملي. فالمعرفة هي ما يمكن أن يتحدث عنا قبل أن نتحدث عنه من خلال ممارساتنا ونتائجها الملموسة على أرض الواقع.
فبعد عودتي من مؤتمر لمنظمة أرنوفا ARNOVA المختصة في الأبحاث و الكيانات غير الربحية حول العالم، قلت لمن حولي : " لا أستغرب أن تقود أمريكا العالم ". لأنها اليوم تتمكن من التفاصيل، وتمتلك المعرفة من خلال انفتاحها على الآخر. فلم تنغلق على نفسها ومالديها، بل استقطبت المعرفة من كل أنحاء العالم، و بغض النظر عن الأجندات والتوجهات التي توظف فيها تلك المعرفة فحديثنا هنا عن الأخذ بالأسباب .
ففي أمريكا اليوم ، تجاوز عدد المنظمات الخيرية وغير الربحية 2 مليون منظمة وجمعية ! بأنشطة واهتمامات متنوعة بين تنمية الإنسان و خدمات الرعاية، وجمعيات علمية، وأخرى فنية وثقافية، بالإضافة لجمعيات تهتم بالحيوان وصحته وتغذيته. بالإضافة لأكثر من 40 جامعة في الولايات المتحدة الأميركية تدرس درجة الماجستير في تخصصات العمل الخيري والنفع العام.
لقد كان واضحا من خلال حضوري لورش عمل مؤتمر آرنوفا، ذلك التزامن بين الجهد التنظيري والعملي ممثلا بحضور الجمعيات والمنظمات غير الربحية من جهة، و الجهد التنظيري والفكري ممثلا بالباحثين والأكاديميين من جامعات عالمية مختلفة، وكان حديث النفس متكررا : أن هذا التناغم هو ما ينقصنا في عالمنا العربي و الإسلامي. و لقد كان مما زرت في رحلتي لأمريكا قسم الإدارة والأعمال من مكتبة جامعة هارفرد العريقة، لكني لم أجد زحمة كتب، إنما عدة كتب ومجلات معروضة متنوعة الإصدارات من مختلف البلدان، تقدم مادة معرفية تهم الباحثين و صنّاع القرار.
إن حلقة الوصل والتناغم بين الجهد التنظيري و العملي في مختلف مشاريعنا والتي من ضمنها العمل غير الربحي والخيري مازالت غير مكتملة، لدينا ضعف في تقديم المعاني بصيغة واقعية عملية قابلة للتنفيذ!
ومن هنا أدعو نفسي وأدعوكم لنبدأ التمكن من مفاصل صناعة الفرق في مشاريعنا وأعمالنا بمختلف مجالاتنا.والمعادلة برأيي هي : مفاصل صناعة الفرق = التناغم بين جهد التنظير و جهد التنفيذ.
ألقاكم على خير.