هنـــا أبحث عن شكسبير عربى مفقود...فهو بالطبع موجود.
لا أنكر ذلك ولكن بخاطرى أسئلة تُطرح...هل سمعت يوما عن سائح غربى أتى لبلد عربى بحثا ومشاهدة لمسكن أو موطن أديب عربى؟ أنها السياحة الثقافية والأدبية يا سادة... هل ترك أدباء العرب أثر وذكرى تدفع السائح العربى أو الغربى لبذل المال من أجل تتبع سيرة حياة أديب أو أديبة عربية ؟! وكم يساهم مثل هذا النشاط السياحى فى الدخل القومى العربى؟ فأين نحن العرب من هذا ؟ ما دور الأدباء لتفعيل مثل هذه المساهمة فى إنعاش حركة السياحة والدخل الإقتصادى؟ ما دور الفنانين العرب والإعلام العربى؟ الخطأ خطأ من؟ واللوم على من؟
اللوم بداية على عدم الإهتمام بالأديب فى حياته..فنحن لا نلقى إلى الأديب بالاً إلا بعد رحيله. اذا فنحن نسمع جعجعة ولا نرى طحناً. لم نرقى بعد إلى منزلة الدعم الأدبى للأدباء والمتميزين فى شتى الفنون والمهارات. فالأديب العربى ينفق على كتاباته لترى النور.ويصل قلمه للقارىء بمعاناة جمة. فهل مثل هذا الأديب يمكنه يوما أن يكون أحد أسباب دعم السياحة العربية؟!
لنرى الفكرة أكثر وضوحا سنعقد مقارنة بسيطة بين شكسبير الغرب، أسطورة الأدب الإنجليزى،الذى انتفع منه موطنه حياً وميتاً، وبين شكسبير العرب المفقود. حقق شكسبير ثروة ضخمة من حصته في مسرح"غلوب". كما شارك في ملكية مسرح آخر في لندن، إضافة إلى ملكية شركة للإنتاج. وفي المدينة التي ولد فيها، ستراتفورد أب اون آفون، بمقاطعة وركشير، كانت له استثمارات كثيرة في الأراضي والعقارات. ويقال إنه كان يشتري ويبيع الحبوب أيضاً.وكيف لا ! ومسرحياته بها الكثير من الخبرات والإرشاد الإقتصادي.فعلى سبيل المثال يستفاد من مسرحية "حلم ليلة منتصف الصيف" في استكشاف حالة التغيير الحاصل في شكل التجارة والأعمال. أما مسرحية "تاجر البندقية" فهي تُدرَّس في مجال تطبيق وتنفيذ العقود.وليس هناك دليل أشد دلالة على قيمته كمفكر وخبير إقتصادى من مقولته الشهيرة:
"يُخطِئ الجميع، وهذا ما يجعلنا بشراً“:
فتلحظ بقراءة نقدية بسيطة لمسرحية ”حلم ليلة منتصف الصيف – A Midsummer Night’s Dream“ أن زواجِ ”ثيسيوس و هيبوليتا – Theseus and Hippolyta“سيتمُّ خلال 4 أيامٍ ولكن تمَّ الزواج بعد يومين، من غير إشارةٍ لتغيره. أيضاً في ”يوليوس قيصر – Julius Caesar“ تمَّ ذكر اسم “ساعة” في المسرحيَّة التي تقع أحداثها سنة الـ 45 قبل الميلاد!، إذ يبدو أنَّ ”شكسبير“ قد تعمَّق في جوِّ مسرحيته ونسيَ أنَّه لم يَكُن هنالك شيءٌ يُدعى بـ “الساعة”. فكِّر قليلاً، هل هذه التَّفاصيل والأخطاء الصَّغيرة ستُفسِد أيَّاً من جماليَّة النص ككلٍّ؟ ينعكس ذات الأمر في عالم الأعمال، ففي بدايات شركة ”أبل – Apple“ قام ”أستيف“ بإطلاق عدَّة تجاربٍ فاشلة كـ (Apple Lisa, Macintosh TV, The Apple III) ولكن سُرعان ما صَعَدَ للقمَّة من جديدٍ بعد الـ (iPod, iPhone, iPad). لا تحاول أن لا ترتكب الأخطاء، إذ لابدَّ من هذه الأخطاء، فكيف لنا أن نتطوَّر ونتعلَّمَ دونَ ارتكاب بعض الزَّلات؟!
وصارت مسرحيات شكسبير مادة فى علم الإقتصاد لإعطاء دروس تطبيقية في مجال الريادة وتجارة الأعمال. يجتذب مسقط رأس شكسبير في ستراتفورد-أبون-أفون الكثير من السياح سنويا .9.94 مليون سائح في عام 2014، وفقا لـ "مؤسسة مسقط رأس شكسبير"، وهي الجمعية الخيرية التي تعنى بمواقع شكسبير التراثية.
والسياحة المرتبطة بشكسبير تسهم بما يقرب من 635 مليون جنيه استرليني في الاقتصاد المحلي ، وتدعم 11,150 وظيفة. فشكسبير يدعم قطاعات واسعة جداً في مجال التجارة والأعمال، من الفنادق والمطاعم في ستراتفورد، إلى الجولات السياحية سيراً على الأقدام في لندن، وإلى الحانات القريبة من الشرفات في مدينة فيرونا الإيطالية، وإلى مبيعات الكتب والتذكارات. من ناحية جذب السياح الشغوفين بكل مل يتعلق بشكسبير، فإن مقهى هاثاوي يحتل موقعاً مثالياً في وسط ستراتفورد.
وجدير بالذكر أن فى لندن تجد الممثل السابق ديكلان ماك هيو، البالغ من العمر 55 عاماً، يرشد الناس منذ عام 1999 في جولات سياحية سيرا على الأقدام للتعريف بكل ما يتعلق بحياة شكسبير. ينظم ماك هيو جولات سياحية للتعريف بتراث شكسبير الذي لا يزال يستهوي الكثيرين.فهو صاحب شركة سياحية تدعى"شكسبير في نزهة بالمدينة ". فالجولة معه تتكلف10 جنيهات استرلينية لكل شخص. وإضافة إلى ذلك، فهو ينظم جولات دورية خاصة للمعاهد والجامعات من كافة أرجاء العالم، علاوة على أولئك القادمين من مؤسسات وشركات بريطانية. ويقول ماك: "الجولات الخاصة هي في العادة لعدد يتراوح ما بين 15 إلى 20 شخصاً، مع أنني نظمت جولات سياحية لـ 60 شخصاً في الماضي." ويضيف ماك هيو إن ولعه بشكسبير بدأ عندما كان في الحادية عشرة من عمره. وهو الآن يعتبر شكسبير 'ملاكه الحارس".
فهو القائل:
"إذا كانت شهادتك الجامعيَّة هي أفضل ما عندك، فأنت حتماً شخصٌ مملٌ“:
فعلى الرغم من نقد الكتَّاب الآخرين لعدم حيازة ”شكسبير“ لأيّ شهادةٍ جامعيَّة، لم يتردد ”وليام“ في كتابة الشِّعر والمسرح؛ أعظم كاتبٍ على الإطلاق لا يملُك شهادةً جامعيَّةً! ذات الأمر مع أشخاصٍ غيَّروا وجه العالم كـ ”ستيف جوبز – Steve Jobs“ و”مارك زوكربيرغ – Mark Zuckerberg“ والعديد غيرهم.
لقد كانت مسرحياته دليل قوى على وعيه الإقتصادى فيقول: انسَ الطرائق القديمة في العالم المُتجدِّد “:في مسرحيَّة ”هنري الخامس – Henry V“قام الجيش الإنكليزي ، بشراء نوعٍ جديدٍ من الأسلحة لاستخدامها ضدَّ الجيش الفرنسي؛ وكان بقدرة الجيش الفرنسيِّ الحصول على نفس الأسلحة، ولكنه لم يأبه لذلك وقاتل بالسِّلاح التقليديِّ، وبالطبع تمَّ سَحقَه من قبل قوات الملك هنري الخامس. في عالم ريادة الأعمال، من الضروري أن تُجرِب الطرائق الحديثة والمتطوِّرة، وحاول أن تتَّبع استراتيجياتٍ تتفوق بها على خُصومِك، فالوصول للقمَّة يَكمُن في طرقك المختلفة والفريدة من نوعها عن الآخرين.