ومنه حديث البخاري رحمه الله تعالى قال(حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ ، وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا ، فِرَارًا مِنْهُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ : لاَ يُخْرِجْكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ) [البخاري (3314)، ومسلم (2218)].
والشاهد أن الطاعون أرسله الله تعالى على سائر من يخرج عن سبيله، ويقصم الله تعالى به ظهر من تنكب هداه. وذلكم بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم(الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ) لأن الخبر شمل بني اسرائيل ومن كان قبله وفيه إشارة إلى المخاطبين من أمته صلى الله عليه وسلم.
وتلك عظة وعبرة وتلك آية يجب التفطن لها وأخذها بعين الاعتبار، ذلك لأنه يمكن أن يتبعها ما شاء الله تعالى له أن يكون تابعا من أخذ واستصال وتدمير، بل إن ما يوهن منها أقرب للاعتبار وأدنى للاتعاظ.
فإني أكتب كلامي هذا إبان إصابة العالم كله في بدايات العام 2020 ميلادية بفيروس اصطلح على تسميته(كوفيد-19) وينال العالم منه وبال منتشر، وشر مستطير ، فدل على أن تبعات الطاعون وما يستتبعه من خسائر كان أدعى لمراجعة كل حسب مكانه، لعله أن يتقي، ولعله أن يؤب قبل الإهلاك العام والأخذ الشامل، والله المستعان.
وقد توعد الله تعالى بذلكم العصاة من الأمم، وهذا حق.
وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما(يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم). [صحيح الجامع: 7978 ].
وقال الألباني رحمه الله تعالى : صحيح
التخريج : أخرجه ابن ماجه (4019)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4671)، والحاكم (8623) باختلاف يسير.[الموسوعة الحديثية].
وصدق الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ). [الرعد:11].
قال القرطبي(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير ، إما منهم أو من الناظر لهم ، أو ممن هو منهم بسبب ; كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم ، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة ; فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب ، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير ; كما قال - صلى الله عليه وسلم - : وقد سئل أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث . والله أعلم) .[تفسير القرطبي 5/193].
ومن عجب أن نفرا لم يرعو، ومن نكد أن قوما لم يعتبروا) .( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) .[يوسف:21].
ومن خيبة أنك تجدهم يقفون على سبب مادي بحت لذلكم الداء، ولا يكادون ينظرون إلى كونه ربما كان نذير هلاك، ولربما كان سبب تدمير. ذلك لأن القوم قد شردوا، وذلك لأن الأغلبية قد انحرفت، وكانت إذن بحاجة إلى ابتلاء من مثل هذا لعله أن يوقظ ما تبقى من ضمير، وعساه أن يحرك ما بقي من ساكن، والله المستعان,.
وإنك لتعجب أيما عجب أن يوجد في الأمة من أمثال الحجارة قلوبهم، ومن أمثال الصخور عقولهم.
ففي أوج هذه الأزمة، وإبان عنفوان تلكم الجائحة، جاءني أحدهم يسأل هذا السؤال: رجل لا يصلي ولا يصوم فهل عليه زكاة الفطر!!!