إن لهذه الحياة سياقات معرفية كثيرة.. ومحطات حياتية مختلفة ، تدفع باستمرار نحو الأمام و التطور ..فلقد نشأت بدائية ثم تطورت في التركيب و الخلقة، لقد كانت عمياء ثم أبصرت النور ، واو ..إن خلق الوجود ..أمر في غاية الدهشة ، مادة أولية مجهولة التكوين ، و صهريج بدائي أولي مجهول التفاعل و طريقة الحياة.. ثم بدأت جايا بحركة بدائية صنعت شيئاً ثم تحركت حركات أخرى غير محسوبة ،عشوائية كطفل وُلد للتو ، في ذلك الزمان البدائي كان الكون في بدايته ولقد تكونت عناصر أولية بدائية أخذت في الحركة في الفراغ بشكل بسيط جداً تبحث عن شيء يقلقها ..إنه خلق الله في بدايته ..فالله يستمتع في خلقه كفنان يعشق رسم لوحته.. ترك الحرية لكل شيء وأخذ يراقب عن كثب ماذا سيحدث في هذا الكون.. يقول ..إيلي الشاب البسيط .. إن الله يحب الحياة ويعشق الجمال ويحب خلق الكائنات الحية العجيبة و الممتعة و الغريبة.. إنه ليس بإله متسلط يحب العقاب.. يتابع إيلي ..ليس هناك وسيلة لمعرفة عمر الكون والحياة فهي قديمة جداً منذ مليارات السنين.. نشأت بتركيبات أولية بدائية ثم تزاوجت الذرات لتشكل مركبات أكثر تعقيداً ..هذه الفرضية هي أكثر منطقية وتقبلاً للعقل.. حيث أن كل شيء له طبيعة تراكمية ،يبدأ بسيطاً ثم يأخذ بالنضج و التعقيد والتحول وإعادة التركيب و النشوء ليصبح أكثر فاعلية.. لذلك يقول إيلي .. إن رحلة الخلق طويلة جدا.. هل لاحظت حجراً صغيراً في الحقل .. كم يبلغ عمره؟ .. إن شكله الدائري والمصقول نشأ من العديد من عمليات الحت و التعرية و الاحتكاك في تعرضه للعديد من الدفع حيث ساهمت أشعة الشمس وحرارتها بالتجوية و التعرية التي غيرت من شكله وجعلته مصقولاً وشبه دائري وناعم وله طبيعة آنية مختلفة..
رحلة اكتشاف..
هذا المقال هو محاولة لاستكشاف الانسان من عدة جوانب ، هو رحلة لفهم الباطن والجوهر وهو تجربة حية متولدة من بحث بسيط حول حياة الانسان القصيرة المليئة بالتجارب و المحاولات.. يقول ايلي ذلك الشاب المقبل على الحياة : ليس هناك وجهة للحياة بل هي سكون في الذات ورحلة باطنية صوفية للوصول لله.. أكثر البشر يركضون خلف أهداف وهمية ويتعبون أنفسهم في البحث عن لقمة عيش أو زوج/ة أو وظيفة أو سفر أو سعادة .. أو بيت ملئ بالرفاهية ،في الحقيقة هم لم يفهموا الجوانب الحقيقية للإنسان فهي بحاجة لإدراك مختلف يفتح صلة مباشرة بين الإنسان وذاته أو الله.. ليس هناك هدف في الحقيقة بل هي استكشاف ذاتي لفهم بواطن الأمور .. ان العالم بكل مكوناته ،يخدع الانسان ويجذبه نحو مغريات مهلكة تقوده لفقدان حقيقة نفسه وفهمه لجوانب ذاته ، وهذه هي رسالة حضرة محمد صلى الله عليه وسلم وفهم حقيقة محمد ذلك النبي الذي تكلم بالحكمة لأصحابه وبصرهم بحقيقة الانسان .. ايلي شاب تعرض لآلام كثيرة محت عن نفسه كل الرغبات الدنيوية، وفهّمه الله أن حقيقة الانسان ليست بمال في البنك أو شقة فاخرة او سيارة يركبها أو زوج/ة يعيش معها بل هي رحلة لاستكشاف الحقيقة .. ايلي شاب مغمور يعيش في اوروبا بعيد كل البعد عن المجتمعات الدينية .. للأسف المجتمعات الدينية صنعت حجاب حول حقيقة الله والانسان وكذلك المجتمعات القديمة و الحديثة التي بنت المدن المعقدة كل ذلك جعل الانسان يعيش في تيه عن سر وجوده وسر الله فيه ، يقول ايلي :إن الله في الحقيقة لا يمكن اكتشافه بصلاة في مسجد او سماع خطبة لأحدهم أو قراءة كتاب عن الدين أو ذهاب لكنيسة .. ان الله بسيط جدا وهو قريب من قلوب البسطاء ولا يحتاج لطقوس خاصة للوصول إليه ..فهو حي بداخل كل انسان مهما كان عمره أو جنسه أو عرقه أو لغته أو بلده ..ليس هناك لغة محددة لفهم الله أو كتاب بعينه لتصبح مؤمنا به .. إنه ليس بعيداً عنا ..بل هو حي في وجداننا وضمائرنا ولكننا ننكر وجوده ولا نحاول سماع صوته ..كل ما علينا فعله هو الصمت والاصغاء لذلك الصوت البعيد فينا انه الله .. كلما طرحت عن نفسك الرغبات و الأهداف والشهوات الدنيوية ..كلما صار ذلك الصوت أوضح وأصبح مسموعا بداخلك ..سوف تشعر بسعادة كبيرة لهذا الاكتشاف المذهل .. ولكنه بحاجة لترويض طويل للنفس وصمت طويل ايضا وقتل محبوبات النفس وتخليتها عن شوائبها وتحليتها بالفضائل .. تعرض ايلي لأمراض عديدة و تجارب شائكة كثيرة آلمته وأحزنته ولكنه لم يكن يعلم أن كل ذلك كان يأتي من تشويشاته النفسية ورغباته الوهمية حول الحياة ، وطموحاته التي جذبها الى وعيه من تقمصه نجاحات الآخرين المزيفة .. يقول ايلي : ان العالم مزيف ،وهو يخلق حجبا وهمية حول المكنون الحقيقي لله ..وذلك ليس عيبا في العالم بل هو سر صنعة الله ليصير كنزا خفيا يكشفه لمن يشاء، يتابع ايلي ويقول : إن محمد ليس نبيا بعيد المنال عاش ومات منذ قرون بل هو حي في كل انسان أو فتاة أو طفل او امرأة او شيخ كبير .. إن استكشاف جوانب الانسان الباطنية في الحقيقة هو محاولة لمعالجة هذا الموضوع فإيلي مر في حياته لتجارب مؤلمة لا يعلم مبتغاها ..و تلونات نفسية تجعله يظل بعيدا عن فهم الله .. إن صوت الله يتردد في النفوس البسيطة الخالية من التشويشات وهي فطرة مزروعة في كل المخلوقات .. يتعجب ايلي كون أكثر البشر يدركون أن الله خالقهم ومع ذلك يبتعدون عنه ويجدون صعوبة روحية في الاقتراب منه .. إن رحلة الاقتراب من الله بحاجة لمجاهدة و فهم عميق لتلك الجوانب(الصوفية ) للدين وهي تمر بفترات مؤلمة تعتبر علاج وتطهير للنفس ، إن الحياة بمجملها هي مستشفى لهذه النفس لسماع صوت الله فينا ..ان الله يقبل ويدبر وسماع صوته يجلب الطمأنينة والراحة في النفس ..ولكن بعد ذلك يبتعد الله قليلا ليجعلك تقترب أكثر منه وتكتشف أسراره وحكمته ..كل ذلك يأتي بالانكسار لله والتخلى عن الصورة المزيفة للذات ..ان نبي الله ابراهيم عليه السلام حين اوحى الله اليه في المنام أن يذبح ابنه اسماعيل ،هي في الحقيقة ذبح لشهوة ابراهيم للولد وهو بذلك تخلى عن المحبوبات، فصدق ابراهيم الرؤيا وتمثل طائعا لله وحاول ذبح ابنه واستجاب اسماعيل لمطلب ابيه ففداه الله بكبش ليذبحه .. يقول ايلي : هناك عوائق كثيرة نصنعها بداخلنا تبعدنا عن الله وهي رغبات نفسية وهمية مؤقتة ولا تنفع الانسان ..ان الله يريدنا أن نكون له وحده وهذا هو المبدأ الأول الذي تعلمه ايلي من مرضه الطويل ..ويقول : عندما كنا أطفالا لم نكن نعلم شيئا ، كنا بسطاء وكنا ممتلئين بالله .. نرى الله في كل شيء بكل بساطة وعفوية ولم نكن نعلم أنه الله .. في الحقيقة أن الله يريدنا أن نكون أطفالاً مرحين ..حتى نمتلئ بالحب والسعادة والاكتشاف.. يتابع ايلي : خلال فترة حياتي القصيرة كنت مليئا بقلق من نوع خاص نحو شيء مجهول يجعلني بعيدا عن العالم وكل ألاعيبه ..في الحقيقة كنت درويشا ولكني لم أنضج بعد ..كنت في حالة غيبوبة عن الله وعن نفسي ولكني كنت مليئا به ..كنت مليئا بالحلول التي تقودني اليه ، هي كذلك فكل انسان ملئ بالحلول المناسبة لاكتشاف الله بداخله.. ولكن عندما كبرت خدعني العالم و أقنعني بالحياة المزيفة وبدأ شقائي فأمرضني الله ليعالج روحي ووعيي وجعلني وحيدا صامتا مختليا بنفسي حتى زاد ألمي وصراخ نفسي الى أن تعلمت وبدأت حكمة محمد في الظهور من تلقاء ذاتي .. يقول ايلي : لم أكن أعلم شيئا عن الصوفية ولكن صديقي العربي علي الذي جاء من تركيا بعد تجربته المؤلمة في البحث عن الله قادته للصوفية ..علمني الكثير عنهم فأخذت أبحث على الانترنت عن التصوف والعرفان شيئا فشيئا الى أن أصبحت أفهم مقاصد القوم ..وكنت أقرأ مقالات كثيرة عن الزهد والصوم والمعرفة من منظورهم ولكن مرضي ساعدني فقد تعرضت لنوبات عصبية جعلت حواسي تتصل بعالم آخر أو بعد آخر أصبحت فيه أسمع الله وأفهم الكلمات بنحو مختلف فأذن الصوفي ليست كأذن باقي البشر ..وحواسه ليست حواس عادية تائهة في العالم فهي تعيش بعدة أبعاد أخرى ..تجعل العالم واضحا له ..يكمل ايلي حديثه ويقول : خلال تجربتي في التصوف تعلمت الكثير ولم أزل أتعلم حتى أيقنت أني جاهل بالكلية وأني أزيد عطشا للحقيقة كل يوم ..ان الله قد جعل المعرفة منقوشة في كل شيء في هذا العالم وهي بحاجة لاكتشاف من الانسان.. في الحقيقة إن الجامعات والكليات لا تعلم الطالب شيئا عن المعرفة بل تحشو دماغه..بمعلومات زائفة عن العالم باستثناء الكليات التي تدرس العلوم والآداب اللغوية أما الكليات التطبيقية التي تخرج المختصين في مجالات الحاسوب و التقنيات الاخرى فهي تبعدهم عن الله ،ترمي بهم في المجهول ليصبحوا آلات دنيوية تصنع وتأكل وتنام كالدول الصناعية التي تتنافس من أجل الرأسمالية والقوة. علي صديق ايلي عمره اربعون عاما وهو شخص حكيم قرأ كتبا كثيرة ومر بتجارب عديدة علمته الكثير .. يتحدث لإيلي عن المجتمع الناجح ..ويقول : إن المجتمع الناجح من يكون مكتفيا بموارده و يلبي حاجات أفراده ويحترم قيمة الانسان ومليء بالفضائل والأخلاق ..يصنع انساناحضارياً كل ذلك يبدأ بالأسرة ..يسأل ايلي : ولكن كيف نجعل الاسرة تصنع انسانا كهذا ؟ يجيب علي : بالتربية و تهذيب النفس وصقلها بالمكارم وترويضها على تحمل المشاق و حب معالي الامور والارتفاع عن الرذائل .. يرد ايلي : ولكن التجربة الصوفية تقول أن الاطفال مليئين بالله فلماذا نلحقهم بالمدرسة ما دامت قلوبهم سليمة مليئة بالحب والصفاء..يرد علي : كلامك صحيح ولكن الطفل معرض للبلوغ وهو بذلك جراء نموه يفقد اتصاله بالله ويشوبه الكثير من الرغبات والتجارب التي تحجبه عن الله لذلك تقوم المدرسة بتعليمه وتربيته حتى يكمل هو رحلة البحث عن الله والحقيقة .. يقول ايلي : في نظري أن المدارس اليوم بحاجة لتغيير في اسلوب تعليمها .. يرد علي: لا تكثر التفكير يا ايلي فالبشر متنوعون ومختلفون منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الاخرة ولا إكراه في الدين ..ومادام الناس كذلك فهم يخدمون بعضهم بعضا .. يستكمل ايلي حواراته الذاتية مع نفسه ويقول : ان الانسان في فهمه لله يعتريه الشك أحيانا وهذا جانب ايجابي يقوده للبحث والتساؤل ومعالجة أشياء عديدة قابعة في وجدانه ..الشك يقود الى اليقين ..و الانسان يتأرجح بين الشك واليقين الى أن يطمئن قلبه لله ويصير ممتلئا بالله.. فاليقين الجامح يقود للتهور والتسرع في الحكم على الامور والجهل والتطرف الذي انتشر في العالم العربي بعد احداث سبتمبر ويمنع من تدفق الحكمة والفهم السليم للدين ويقود الى العصبية وضياع الحقوق ..كلما ابتعد الناس عن الحكمة والروية وتسرعوا في الحكم على الامور كلما ضاع الحب والصفاء وتشوشت الافكار والارواح واضطربت المدينة وسادت الفوضى والجهل وتسرع الناس في سيرهم الحياتي .. وتعثروا عن ركب الحضارة .. لذلك لابد من الهدوء و الصبر .. في مطلع أيار عام 2018 يتذكر ايلي صفحة الكترونية قرأ فيها عن البوذية وبوذا الحكيم المستنير، جاء في الصفحة : أن بوذا عاش كشاب مترف في البداية في قصر به كل شيء ترغبه نفسه ولكنه لم يكن سعيدا .. في أحد الايام أحس برغبة في البحث عن الحقيقة والسعادة الحقيقية فخرج من القصر ليبحث عنها وبدأت رحلته في الاستنارة فرأى طفلا صغيرا يبكي و رجلاً مريضا وشيخا مسناً وآخر ميتاً فقال في نفسه ان هذه الحياة مليئة بالمعاناة فيولد الانسان ليبكي ثم يمرض ثم يشيخ ويهرم ثم يموت .. اين السعادة من كل هذا ..فمشى في الطريق الى أن وصل لغابة فمن تعبه جلس تحت شجرة ليستظل بظلها وقد عزم على عدم العودة للقصر .. وقد جلس طويلا يفكر في سر السعادة الحقيقية من الحياة ..فأخذ يفكر ثم أرهقه التفكير ..فتوصل الى أن التفكير لا يقود للسعادة بل يزيد من تشويش العقل ..ثم ما لبث أن أخذ يتأمل وأخذه الصمت فأغلق عينيه ومكث طويلا هكذا بلا حراك ..بعد أيام قليلة أحس براحة مؤقتة وسعادة مؤقتة ايضا مالبثت أن ذهبت .. ففكر بعمق لعل الانسان بحاجة الى الجوع و التدريب القاسي حتى يصل الى الاستنارة أو النيرفانا كما يفعل الرهبان ..وكان لا ياكل الا الشيء القليل حتى صار يعاني من الهزال ..وبعد مدة طويلة من الضعف .. لمع في ذهنه أن كل هذا خطأ و أن الاعتدال هو الأمر الصواب .. فجاءت اليه فتاة بطبق أرز وقد أشفقت عليه لما رأته هزيلا لا يقوى على الحركة ..فأكل وشرب من ماء نهر مجاور وتابع سيره في الغابة ..وبعد صبر طويل والم في السير وحيدا جلس تحت شجرة أخرى وأخذ يتأمل مجددا حتى استنار قلبه وجاءته الحكمة التي منها أن الانسان لا يصل الى النيرفانا الا بسلوك الخاطر بين كل المتناقضات والثنائيات حتى يسلم منها ويحصل على الليونة العقلية وسلامة الحس .. والسير في الحياة بزهد عن المطامع وأخلاق نبيلة ..تجلب العفة .. وأن يكون ابن اللحظة فلا يفكر في الغد فيطلب المستحيل لوعيه فيشقى أو يتألم للماضي فهو قد انتهى فعلم أن سر سعادة الانسان هو في ترشيد عقله وسلامة نفسه وترفعه عن الدنايا وأن الطرق الى الحقيقة متعددة بعدد البشر فلكل انسان طريق خاص ..منهم من يقلد ومنهم من تأتيه الحكمة عن طريق التأمل والتلقي الالهي والوحي ..كل قد علم صلاته ..وجاء ايضا في الصفحة : أن الحكمة تأتي للعرفاء بطريق الألم وتولد أنوار وبصائر بعد مجاهدة و تخطي مستويات صعبة من الوجود وأن هذا الطريق يتسنح بعد صبر طويل وعزلة و تجميع البصيرة على مابعد المستوى الظاهري للأشياء ، فبوذا أمعن بصيرته في التلقي حتى تفتحت له عين الكشف .. وارتوى من نبع اللاهوت ..وصار ربانيا .. يقول ايلي ذلك الشاب الملئ بالأسرار : إن طرق الحياة كثيرة .. ولكن هناك سر بداخل كل انسان يجعل الطريق ، يحوي اكتشافا لهذا العالم .. هو سفر من نوع خاص ..