إن كل ما سأقوله ليس دعوة لترك المساجد ، وإنما هو دعوة لترك عبادة المساجد إلى عبادة رب المساجد والمعابد !

يقول الشعراوي في تفسير قوله تعالى في سورة العنكبوت { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ... }  إن السير هو الإنتقال من مكان لآخر والسير يكون  لسببين أو لغرضين إما للسياحة والتأمل والاعتبار، وإما للتجارة والاستثمار، إنْ ضاق رزقك في بلادك . وإن كان الشعراوي رضي الله عنه يرى أن الله أراد بسير الإنسان وإنتقاله من بلاد لأخرى بغية التأمل و التأمل عبادة ، فإن العبادة في نظري إذن ليست حبيسة مسجد أو معبد و إنما هي حبيسة الإنسان نفسه في دواخله في عوالمه ، فلا شيء يقيدها في موقع معين ولا مكان معين كما قال الله تعالى : {  يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } [العنكبوت: 56 ] فإن العابد عابد سواء كان في البحر أو كان في الصحراء ، وسواء كان في المسجد أو كان في السوق يذكر ربه و يقضي حوائجه . وبهذا فإن الله جعل إتساع رقعة العبادة لكي لا يقيد الإنسان ويجعله حبيس مسجد لا يفارقه أبدا فتضيع مصالحه فلا يقضيها  !
يقول المفكر الإيراني علي شريعتي : ( أن تسير في الشارع وتفكر في الله خير من أن تجلس في المسجد وتفكر في حذائك. )  لأن قدسية العبادة نصنعها نحن و المكان الذي نمارس فيه العبادة أو طقوس العبادة يحتاج منا إستشعار عظمة الله لكي يكون حقا مكان عبادة !
ويأتي على البال أيضا قول حمزة بن عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وسلم :( يا محمد، يا ابن أخي ! عندما أجوب الصحراء بالليل أُدْرِك أنّ الله أكبر من أن يوضع بين أربعة جُدران .) حمزة رضي الله عنه رأى عظمة الله وأنه متجل في أماكن و مظاهر عديدة في هذا الكون فعظمة الصحراء لم تكن لولا عظمته تعالى ، وهذا ما يجعل الله معبودا في المسجد ومعبودا في الصحراء ومعبودا في كل ما نكتشفه من أسرار هذا الكون ، والإكتشاف في حد ذاته عبادة والإكتشاف لا يأتي إلا بالسير والإنتقال وليس الاعتزال والاعتكاف !
فقد روي أن  عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رأى قوما لا يحركون ساكنا بعد الصلاة بحجة أن الله سيسوق لهم رزقهم متحججين بالتوكل ، فقال لهم الفاروق رضي الله عنه : " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، إنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض " ، أما سمعتم قول الله تعالى : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) ، فقل سيروا تنظروا عظمة ربكم ، وتنالوا رزكم ، ويقوى إيمانكم ، ويزيد علمكم .
فهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم يسير من مكة إلى المدينة مهاجرا بدينه ، فإن كان الله فقط في مكة فلماذا هاجر تاركا مكة عابدا الله في المدينة ، وهذا يوسف عليه السلام يترك والده يعقوب عليه السلام ليسير في الأقطار و يلفت إليه الأبصار ليصبح عزيز مصر و يسجد له أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ، وهذا يونس يسير ويترك قومه مغاضبا ليرى عظمة الله في عظمة الحوت !
قل سيروا فمكان العبادة يستحق منا عناء السير والمشقة ، فأينما وجدت عظمة الله وأستشعرت فذلك أحق بأن يسمى معبدا !