لما اظطهد الإمبراطور الروماني كلوديوس الكنيسة و منعها من تزويج الشباب بحجة أنهم سيجندون و ستسيطر عليهم الهواجس والمخاوف والقلق على ما سيحدث لأنفسهم ولعائلاتهم ولأولادهم لهذا قرر منع زواج الشباب . لكن كاهن الكنيسة "فالنتين" وقف ضد هذا القرار و زوج بعض الجنود خفية ، ليسجن فترة ، ثم يعدم بعد ذلك يوم الرابع عشر شباط، هذه هي قصة عيد الحب الذي نحتفل به في كل سنة في اليوم الذي يوافق إعدام الكاهن "فالنتين" ...
لكن في ظل سيطرة الغرب وأدبهم وحتى ديانتهم على قصص الحب هل يحمل تراثنا العربي أو بمعنى أدق الإسلامي قصص حب أو تضحيات تجعلنا نتخذها عيدا ربما ، ربما يقول البعض منا ليلى العامرية وقيس بن الملوح ، أو لربما جميل بن معمر وبثينة لأنه لم يلمسها قط ، لكن لو نظرنا في الإسلام جيدا ، لوجدنا ما يكفي من قصص الحب التي تجعلنا نغير نظرتنا للحب المشوه الذي نحمله في أذهاننا و قلوبنا ... ومن آثار الحب والتضحيات في ديننا الحنيف ، قصة أبو العاص بن الربيع و والسيدة زينب رضي الله عنها .
عندما بعث محمد وأنزل عليه الوحي كانت لا تزال ابنته زينب زوجة لأبي العاص بن ربيع ، رغم أنها كانت هي مسلمة وهو من المشركين ، إلا أنهما لم يتركا بعضهما ، فقد كان أبو العاص لما يأتيه المشركون من أهل مكة ليقنعوه مصممين بتركها ! يقول لهم : "لا أفارق صاحبتي ، فإنها خير صاحبة ."
يخرج أبو العاص بن الربيع محاربا ضد المسلمين وضد صهره النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر ليقع أسيرا لدى المسلمين ... وماهي إلا أيام حتى بعث أهل مكة في فداء أسراهم وقد بعثت السيدة زينب بنت النبي معهم قلادة كانت لأمها خديجة رضي الله عنها فداء لزوجها أبو العاص ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم القلادة رقت عيناه وحن قلبه أيما حنين وتذكر خديجة رضي الله عنها ، فقال :( إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا .) فوافقوا على إطلاق سراحه لكن النبي اشترط فيه قبل إطلاق سراحه ، أن يخلي له سبيل إبنته زينب لتأتي إليه للمدينة ...فوافق أبو العاص ، ليبعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا آخر بقوله : "كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا "
وأنشد أبو العاص شعرا في السيدة زينب بعد هذه الحادثة شعرا :
ذَكَرْتُ زَيْنَبَ لَمَّا جَاوَزَتْ إِرَمَا ... فَقُلْتُ سُقْيًا لِشَخْصٍ يَسْكُنُ الْحَرَمَا
بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللهُ صَالِحَةً ... وَكُلُّ بَعلٍ سَيُثْنِي بِالَّذِي عَلِمَا
وهناك حادثة أخرى تظهر لنا عظمة هذا الحب الذي ليس يفوقه حب و يساويه حب فعندما خرج أبو العاص إلى الشام اعترضه رجال من الأنصار وفكوا عنه ماله ، فأجارته السيدة أي جعلته جوارها ، وأرجعت إليه ماله لما صاحت فيهم في صلاة الفجر وهي في صف النساء أن يرجع الذين ذهبوا له بماله أن يعيدوه إليه ، ولما أعاد النبي صلى الله عليه وسلم إليه ماله من الذين أخذوه منه، ورجع إلى مكة أسلم هناك بعد تأديته مال القريشيين ، ويعيد زوجته يقال بعقد نكاح جديد ويقال بالعقد الأول ...
فبين فالنتاينهم الذي كان يقتصر مفهوم الحب لديه في تزويج الناس فقط وبين زينبنا التي ترسل كل ما لديها من مال لتفك أسر زوجها الذي أسر بسبب خروجه لقتال أبيها فرق كبير جدا...وبين اظطهاط الامبراطور كلوديوس لفالنتاين و اظطهاد القريشيين لأبي العاص وهم يحردونه بشتى السبل لترك زوجته التي لم تكن على دينه وهو يقول : " والله لا أفارق صاحبتي " فمن الأحق بأن يقام له عيد برأيكم ؟
لقد علمتني زينب أن الحب ليس فقط شعر ينظم ولا نثرا يكتب ولا كلاما يثرثر به ، بل علمتني أن التضحية في سبيل من نحب هو فرض عين في دين الحب ، و علمني أبا العاص أن الذي يحب لا يعيقه شيء لا دين ولا قبيلة ولا أي شيء آخر ، علمني أن الحبيب حبيب مهما ما كان عليه .
يقول جلال الدين الرومي ليس الحرام أن يكون لك حبيبا الحرام أن لا يكون لك حبيب تنظر لوجهه . الحب حقا هو أن تولي وجهك لحبيبك وتصعر خدك للناس !