Image title
نهش الطفولة والزواج العرفىبقلم الأديب د/ طــارق رضــوان

وخزة في قلبى لم أستطع التعامل معها، ورغبة شديدة في البكاء منعت نفسى عنها بشدة، لم أكن يوما أتخيل أنه هناك عالم تباع فيه الفتيات والنساء بهذا الشكل. يعدّ الزّواج رباط قويّ بين الرّجل والمرأة، حيث يساعد على عفاف النّفس وصونها من الوقوع في الحرام وإستكمال الإنسان به نصف دينه، ولقاء ربّه به على أحسن حال من الطّهر والنّقاء. قال الله تعالى في سورة الرّعد: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}.

لكن ما  هو الزواج العرفي؟ هو زواج بين رجل وإمرأة يكون على حالتين، الأولى قد يتواجد الشهود والولي ولكن لا يتم توثيقه في عقد الزواج الشرعي، أما الحالة الثانية، هي كتب اتفاق بين الرجل والمرأة ولكن دون وجود شهود أو ولي. وتظل دائما الأعمال التى تناقش قضايا الرجل والمرأة من خلال قصص الحب والزواج مصدر جذب للجمهور، ومادة خصبة للمؤلفين فى الكتابة..

نص الدستور المصري في المادة 80 على أن: «يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره». ونص المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة 1994، بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، «ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة».

وبالتالى في حالة الطلاق ولم يتم توثيق عقد الزواج فلا توجد حقوق للزوجة وفق القانون 1 لسنة 2000 بشأن الأحوال الشخصية سوى حق الطلاق فقط دون حقوق آخرى، مضيفا أن إثبات نسب الطفل يكون عن طريق دعوى قضائية تُحال للطب الشرعي لإثبات نسب الطفل لأبيه في حالة نكرانه له وذلك من خلال تحليل DNA..

وترجع  كارثة  الزواج العرفى إلى  أن الطفل بلا شهادة ميلاد وتطعيمات.. وفي حالة الطلاق لا حقوق للزوجة.إلى جانب إضطرابات نفسية للفتاة وتنجب أطفالا مصابين بالتخلف العقلي والتوحد والإعاقة.وكان رأى الأزهرأن الإسلام لم يحدد سنا ولا يبيح زواجا يترتب عليه ضرر جسدي واجتماعي.. ويجوز للحاكم تحديد السن. فمعاناة زواج القاصرات وأبنائهم مستمرة مع وجود فراغ تشريعي. وأوضح شيخ الأزهر، أن الإسلام لم يفرض ولم يرغب في زواج الصغيرات كما يشاع، حتى يعاب عليه هذا الكلام، وإنما الأمر كان متروكًا لعاداتٍ اجتماعية تغيرت وتقلبت، مضيفا أن من حق ولي الأمر شرعًا أن يقيد المباح، فإذا كان الإسلام أباح للبنت أن تتزوج بعد سن البلوغ في أي سن، فمن حق ولي الأمر أن يتدخل ويقيد هذه الإباحة المطلقة التي وفرها الشرع للناس.

وأوضح أن الثابت تاريخياً أن زواج النبي بالسيدة عائشة لم يُمثل شذوذا في القاعدة المجتمعية، وتحديد سن السيدة عائشة وقت زواجها من النبي أمر صعب، ولكن الثابت أنه صلي الله عليه وسلم، دخل بها بعد بلوغها سن الحلم.

فترى أن القاصرة نموها غير مكتمل حتى لو بدت للناظرين العكس، فالزواج يستوجب اكتمال النمو العقلى أيضا وليس النمو الجسدى فقط، لافتة إلى أن الجنين لا يمكن أن يجد الغذاء الكافي بعناصره المكتملة في بطن أمه وبالتالى تكون النتيجة أطفال مشوهين مصابين بالعديد من الأمراض كالتخلف العقلي والتوحد والإعاقة ولين العظام والأنيميا.

البعض في حالة زواج القاصرات عرفيا كان يلجأ لإثبات الطفل لجده لأبيه أو أمه حتى يستخرجوا له شهادة ميلاد ويأخذ تطعيماته وذلك بالمخالفة لقانون الطفل وحاليا أصبح إثبات الطفل بشهادة الطبيب الذي قام بتوليد الطفل وإثباته لأبيه وفق وثيقة الزواج الرسمية، مؤكدا أن إثبات الطفل لجده مخالف قانونا ومحرما شرعا وينتج عنه مشكلات فيما بعد كالمواريث وغيرها.

و تؤكد دراسة «عدالة ومساندة»، وجود 123 ألف حالة زواج عرفى تمت بين مصريات وأشخاص عرب، وكانت نسبة زواج القاصرات بين هذه الحالات 58%، بالإضافة إلى ظهور أنواع مختلفة من الزواج، منها الزواج السياحى وزواج المتعة، والذى ارتفعت نسبته في مصر ليصل إلى 268 ألف حالة، أغلبها زواج مصريات من عرب.522 ألف   حالة زواج  عرفى بين  طلبة المدارس والجامعات،  حسبما أفادت إحصائية تاب عة لوزارة  التضامن  الإجتماعى  الأمر الذى يهدد بكارثة مجتمعية بكل المقاييس.

وتحكى  أحد الفتيات عن تجربتها  فتقول"في البداية اعتقدت أننا في مكتب محامى، لكنه منزل يتخذه شخص   ما مكانا للقاء الراغبين في تزويج بناتهم، ومعاينتهن. زوجته تساعده، وتتواصل مع السيدات والأثرياء العرب، وترسل لهم صور الفتيات عبر الـ«واتس آب»."

وحالة أخرى تقول أنها قابلت  محامى يزوّج الفتيات بنظام المدة، يستمر الزواج 3 أيام أو 5 أو أسبوع بعقد عرفى، وفق ما يريده الثرى العربى، الذي يمزق العقد العرفى بعد انتهاء المدة أو وقتما أراد. وتضيف أنها سألته عن «زواج المتعة»، وسعر الفتيات، وقال: «سعر البكر مختلف عن المطلقة، لو كنتى هنا من فترة كنت جبتلك زوج ثرى جدا، رغم كبر سنك إلا أن شكلك يعطى أصغر».

تفاصيل مريعة استطرد المحامى في سردها من أجل إقناعها بالأمر: «كل شغلانة لها ظروفها، يعنى في بنات بيكون مهرها 20 أو 30 أو 50 ألفا، حسب المدة اللى هتتجوزها، وفى الغالب بتكون 3 أيام أو أسبوع.

وتقول "اضطررت إلى سؤال المحامى: «طب والعدة والشرع يا أستاذ؟»، فكان رده: «البنات دى وأحيانا أهلهم عايزين فلوس وخلاص، ده اللى يهمهم. الزواج بالمدة مطلوب كتير من العرب وبيكون في شقق مفروشة، وباخد مبلغ يتراوح ما بين 10 إلى 20 ألف جنيه عمولة حسب كل عريس وحالته المادية، وفترة العدة دى مالهاش وجود، تانى يوم كل واحد يروح لحاله والجواز حسب مزاجها ومزاج الزبون، تتجوز النهاردة، وتتطلق بكرة هي حرة» .وأضاف: «الزواج بالمدة حرام لكنه الأكثر طلبا من العرب، وهو الطريقة الأكثر انتشار حاليا وفاتحة لى بيتى».

العلاج

بالنسبة للأسرة لابد من توافر الرقابة والتوعية الأسرية، والسير على مبدأ أجددنا في الذهاب للمدارس ومتابعة الأبناء، فضلًا عن الانتظام في حضور اجتماعات مجالس الأباء"، وأكد أنه ينبغي مراقبة سلوكيات الأبناء وتصرفاتهم، وملاحظة تغيراتها والتعرف على أسبابها، كما ينبغي الاهتمام بالمظهر الخارجي للأبناء خلال الذهاب للمدرسة.

 أما بالنسبة للعامل الآخر وهو المدرسة، فلابد من توافر التربية قبل التعليم، بالاهتمام بالتنشأه السليمة، وتعليم السلوكيات الطبية، والابتعاد عن السلوكيات المستوردة من الخارج.

ففي المجتمعات الأكثر تماسكًا كالصعيد، يقل فيها الزواج العرفي، لأن المواطنين يعتبرون الآخرين أبناءهم ويخبرون أهاليهم بأي تصرف غريبًا في سلوكيات أبنائهم.

دور الإعلام وما يتم تناوله بها من مواضيع مرأيه ومسموعة في انتشار الزواج العرفي، وما تحتويه من أفلام ومسلسلات تجري وراء الربح وتحطم ورائها الأخلاق الإنسانية.

مثل هذه القضايا  تظهر من خلال العديد من الأفلام مثل:

فيلم "جواز على الهوا" الذى قدم نهاية السبعينات ،فيلم "أسرار البنات" الذي أذيع على شاشات التلفزيون المصري في عام 2001.

وأخيرا ترجع ظاهرة زواج القاصرات إلى الفقر والجهل والعادات والتقاليد وغلاء تكاليف الزواج، وإنتشار البطالة بين الشباب .ويساهم هذا  النوع من الزواج فى زيادة عدد أطفال الشوارع، وبالتالى زيادة معدل انتشار الجريمة، مؤكدة أن الإعلام والسينما عليهما دورا كبيرا للمساهمة فى القضاء على مثل هذه الظواهر الاجتماعية السيئة.