المكان : ملعب 05 جويلية
الزمان : 05 من شهر جويلية من عام 1993،
إنها الساعات الاولى من هذا صباح هذا اليوم المشمس ،لكنها لا تبدو كذلك ، فامتلاء المدرجات إلى هذا الحد لا يوحي بذلك أبدا ، التدافع البشري يشكل كومة من الناس التي تتضارب لكن بشكل يخفي ذلك تحت مسحة من الابتسامات المختلفة والتلويحات التي تستهدف الكاميرات ، أنها ليست مباراة في كرة القدم ، أجل أنني متأكد من ذلك كتأكدي أنني عالق بين هذه الكومة البشرية ، أنها حفلة لإحياء الذكرى الثانية والثلاثين لإستقلال وطني الجزائر ، وهذا الحفل الذي يقام في هذا الوقت بالتحديد أظنه بمثابة تقديم وجبة للجماعات المسلحة في ذلك الوقت ، فمنذ ما يقارب الشهر قد كنا ودعنا الصحفي والشاعر الطاهر جاووت ، الذي سقط أمام بيته برصاص الجماعات المسلحة ، ربما كنت الوحيد الذي كان يتملكه الرعب و الاطمئنان في آن واحد من بين كل الحشد !

ما هي إلا لحظات قليلة حتى دخل الشخص الذي جاء من أجله ما يقارب سبعين ألف شخص من جميع أنحاء هذا التراب ، إنه "الشاب حسني " يحمل مكبر الصوت في يده ويحيي الجميع ، بإبتسامة كانت بالنسبة لي هي الوحيدة الحقيقية من بين جميع إبتسامات الحاضرين هنا ، وازداد التدافع  بيننا في المدراجات لأن الجميع يريد رأيته وتقبيله و معانقته وأنا واحد من من تملكهم هذا الشعور ...وما هي إلا لحظات حتى نثر "حسني" سحره في آذان الناس لما يقارب الساعتين ، فعل فيها كل شيء ، من غناء ورقص ، وزرع فيها أملا وسعادة في قلوب الذين حضروا من أجله ، ساعتان من الفرحة والسعادة كانت كافية لتنسينا كل ما يحدث من ظلم و قتل وتعذيب في هذه البلاد التي هي في حداد ...

التاسع والعشرين من شهر سبتمبر 1994 يتوفى "الشاب حسني" أتلقى الخبر بصعوبة ، ربما بقيت ما يقارب الساعة وأنا أضرب نفسي و أتحسس نفسي ، كنت أحسب نفسي في حلم ، لقد كان الخبر بمثابة صدمة حقيقة ، أنا الذي كنت أكره الأحلام تمنيت أن يكون هذا مجرد حلم مزعج ... أنه ليس كابوسا ولا حلما لقد رحل فجأة دون وداع فعلا "حسني" ، تاركا وراءه ما يفوق المئة والسبعين جرعة من جرعاته التي أدمن الجميع عليها ، متنا نحن وعاش هو بيننا ، فكما قال محمود درويش : "الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الاحياء " ، كانت في رأسي تدور آلاف الاسئلة في اللاشيء دون جدوى دون جواب "من قتله ؟" " من استطاع فعل ذلك ؟" "هل من بين الذين حضروا للحفلة التي حضرتها؟ " .

"راني مرة هنا ، ومرة ليه " هكذا قال "حسني" لكن هيهات لم يوف قولته وبقي هناك للأبد ، فليته مرة هنا ... "حسني" طال غيابك عنا ، أيها الغائب بشخصك الحاضر بروحك بفنك بما تركته لنا لمواجهة هذه الحياة .

"حسني" ليس الوحيد المقتول في تلك الحقبة فقد قتل "المعطوب" و"ياماها" و آخرون ... لكنه الوحيد الذي لم يكن له في السياسة ولا أي شيء يجعله يقتل ، فلماذا قتل ، لأنه يغني ؟ الجميع يغني ! 

حسني كان ينثر السعادة من شوراع "قومبيطة" وأحياء وهران حيث الفقراء والبساطة والمحتاجين للسعادة من هناك وصولا لكل الجزائر و لا مبالغة إن قلت العالم ،في زمن كنا فيه في أمس الحاجة لذرة من السعادة ،طال غيابك يا "حسني" وسيطول هناك ، بالرغم أنك هنا أيضا حاضر تماما كما لو أنك لم ترحل أبدا فإنني مازلت أتعاطى جرعاتك  ، فرحمك الله يا حسني .