لأن كل القصص تبدأ من مفترقات الطرق، وتنتهي بانتهاء الطريق الذي اخترناه ونحن نفكر فيما يتضمنه الطريق الآخر الذي تركناه... فقد وجدَ رجلٌ عابر في مفترق طريق مكتبًا صغيرًا لمؤسسة مجهولة تقدم خدمة إعادة الفرص الضائعة، أو إعادة الناس إلى الطريق الذي لم يسلكوه واختاروا طريقًا سواه أو اختارهم الطريق رغمًا عنهم.
يقول إعلان المؤسسة: املأ الاستمارة، ادفع أتعابنا، وستعود لكل لحظةٍ قلتَ عنها في داخلك لو أن الوقت يعود لفعلت كذا وكذا، واخترتُ كذا وكذا.... سيعود كل شيء، وماعليك إلا الفعل أو المشاهدة...
من خدمات المؤسسة إعادة العاشق لحبيبته التي فقدها، إعادة الحبيبة إلى حبيبها الذي هجرها، إعادة الزوج لامرأته التي انفصل عنها، مؤسسة تُعيد للطالب فرصة دراسة التخصص الذي حلم به وما استطاع دراسته، كما تُعيد للأم جنينها المجهض، وتُعيد للأب ابنه الذي فقده، تعيد للمتخاصمين صفوهم الذي أفل، تُعيد للعاطل الوظيفة التي فوّت موعد مقابلتها، تُعيد للمسؤول كرسيه الذي ما استراح عليه، تُعيد للجميلة شعرها الذي عابثته بالمقص، تُعيد الشاب إلى اللحظة التي لم يتجاوز فيها بعد إشارة السير الحمراء، تُعيد للطفلة اللعبة التي نسيتها في حديقة الحي...
بقي الرجل مشدوهًا أمام كرم الإعلان، مأخوذًا بفكرة إعادة تدوير الفرص، ففعل مايفعله الآخرون أمام فرصة كهذه، أمسك قلمًا يملأ الاستمارة. ثم خطر له أن يسأل مسؤول المؤسسة عن ما يفعله الناس بفرصهم الضائعة المُستعادة، هل يعيشون في سعادة؟ كيف يتصرفون حين يعود كل مافاتهم ووقع من أيديهم؟
أجاب المسؤول: إنهم يملأون سجلًا آخر بالشكاوي ومطالبات التعويض، يقول العاشق عن حبيبته بعد دهشة العودة بوقت طويل: لو أننا لم نعد... تقول الحبيبة عن حبيبها الذي هجر هجرانه وعاد أسيرًا لحبها: كم أنت ممل... يقول الزوج بعد اتصال ما انفصل: صار بيننا أولاد يوثقوني بالضجر... تقول الأم عن ابنها المتخلق من جديد: ليت أني متّ وماشهدت أفعاله... يقول المتخاصمون في صفوهم: كان خصامنا نجاة.... الخ
لكننا يا عزيزي العميل لا نملك شيئًا سوى استلام شكاوي كل هؤلاء من الطريق الآخر الذي سلكوه قبل أن يعثروا على فرصهم الضائعة. ونكدس الشكاوي في السجلات إلى حين تطوير نشاطاتنا وتوسعة نطاق الخدمة فنجعل للفرصة اتجاهين، ذهاب وإياب... أمّا الآن فلا نملك إلا طريق الإياب.