وأنا ألف و أدور في أحد مواقع التواصل الإجتماعي وجدت صديقا لي كاتب على جداره الإفتراضي أنه يريد حرق روايته و أنه نادم على طبعها وكتابتها ونشرها ...و قد أردف قوله بحجج عديدة ، منها أن الناس لا تقرأ و حجة أخرى تخص التسويق وظلم الجهات الوصية للمواهب ... لكنني في خضام قراءتي في جداره رأيت أنه منذ مدة ليست بالبعيدة كان مستعدا لبيع ملابسه لطبع الرواية"الناس ينسون بسرعة غريبة فعلا" ، لا أظن أن صديقي هذا قد حسب حسابا لموهبته في الكتابة أو حساب المقروئية ، هو حينها كان يتملكه الحماس فقط وهذا ما جعله يندم على فعلته هذه ، على ظلال صديقنا هذا سنناقش مسألة موضة الكتابة أو ما يقال عنه "ازعف واكتب رواية باش تريح".
الرواية الشبابية في العالم العربي والجزائر خاصة لاقت نجاحا مبهرا ، والقارئ عندما تقع عيناه على هذا سينتابه بلا ريب حماس للكتابة وإن كان هذا آخر ما يفكر فيه في حياته ! ولنذكر على سبيل الافتخار والاستئناس أمثلة شباشبية نجحت في رسم ملامح لها في مكتبة القارئ العربي ، الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي مثلا ، عبد الوهاب عيساوي الروائي الجزائري الحائز على جائزة البوكر العربية مؤخرا و غيرهم مثل حنان لاشين و خولة الحمدي في صف النساء ...لكن السؤال الذي يبقى هو صلب موضوعنا ، هل لمجرد نجاح الرواية الشبابية وارتفاع نسبة المقروئية ، هل معنى هذا أن أيا كان سينجح ويصبح كاتبا مثل ما فعل ما ذكرناهم سابقا ؟ الجواب بكل واقعية بعيدة عن الشاعرية والمشاعرية التي ادخلتنا في حيط . هو إن أي شخص ليس له موهبة أو زاد معرفي وإطلاع ثقافي لا يستطيع الكتابة او بمعنى آخر لن ينجح في صنع إسم له بين كل تلك المواهب التي تسطع في سماء الكتابة ...
ولنأخذ أمثلة تصب في سياق موضوعنا ، هل لمجرد مشاهدتي ملاكم محترف أو لاعب كرة قدم يقدم أشياء مذهلة تبهرني وتدخل في نفسي السرور و الحماس ، هل يجعلني هذا أقلده وأصبح مثله ؟ الجواب قطعا لا قطعا لا ...
في الأخير علي القول للذين لا يحسنون الكتابة مثلي ولكنهم مصابون بمتلازمة حماس الكتابة ... تسقرطوا أو تحسنوا !
أما تسقرطوا ...فافعلوا كما فعل الفيلسوف سقراط ولا تكتبوا شيئا ، فهناك أشياء أفضل من الكتابة في الحياة !
وأما تحسنوا ... فافعلوا كما فعل الشيخ حسن البنا ، فأنه لما سئل البنا رحمه الله لماذا لا تؤلف الكتب ؟ أجاب أنا أؤلف الرجال بدلا من الكتب !
فسلام لمن تركوا الكتابة لأهلها ، وسلام لمن وجدوا طريقة أفضل من الكتابة للافصاح بها عن ما تحمله أنفسهم من جمال وحزن وفرح وغيرها من المشاعر التي تجعل الانسان يبحث عن طريقة للافصاح عنها وإخراجها منظلمات النفس إلى نور العالم ، الكتابة هي مجرد وسيلة كأي وسيلة أخرى بينما هي ليست الوسيلة الأخيرة أو الأمثل ، فهنالك الرسم و التمثيل والغناء ... وغيرها من ما تخرج به النفس مكنوناتتها الدفينة في جب تنتظر أي طريقة لتخرج بها وتنظر إلى هذا العالم في شكل فن ما أو شيء آخر ...
فأشهد أنني قارئ في زمن الكتاب ، وأشهد أنني ما قلته في مقالي هذا ليس سوى محاولة فاشلة تتبع أخواتها من المحاولات السابقة أو خربشة استخدمت فيها حروف الأبجدية ، وأشهد أنني كافر بموضة الكتابة التي ارتادها الجميع . فلهم دينهم ولي دين .