ارتحلنا إليك قُبيل أيام العيد ، وعلى مشارف لياليه السعيدة ، وحتى بعدما إنقضت ساعاته وانتهت المكالمات بين أبناؤك في دنيا الإغتراب ومحيت رسائل وإيميلات التهنئة، ودائما كانت ترافقنا أطياف الأيام الخالية يحدو ركبنا إليك بقايا ذكريات تستنشق نسائم ليالي تشارين الماطرة وكلما أفقنا من غفوتنا اللذيذة وجدنا أجسادنا حيث نقيم بعيداً عنك ….

فأين انتِ؟؟؟

أنا مازلت حيث غادرتموني .

لاأقوى بل لا أرغب في الترحال مثلكم ، مع أني أسافر معكم ، وأحل حيثما حللتم،  أشارككم أحاديثكم وأحضر بقوة في نسيج كلماتكم، لاتخلوا تهنئة بعيد أو مناسبة سعيدة إلا وتذكروني في نهايتها متمنين لبعضكم البعض أن تعود هذه المناسبات عليكم وأنتم بين أضلعي ، لاتخلوا عبارة مواساة وتصبر على ألم ومعاناة إلا وتمنّون أنفسكم بالراحة عندما تعودون إلى حضنكم الأول.

 هل نسيتم مدارسكم ومقاعدكم الخشبية؟

أبداً…..

 هل مُحيت ملاعب الصبا وبيادر الحقول والشوارع الموحلة والحارات الهادئة من صفحات قلوبكم؟!

أبداً…..

  هل نسيتم سجادة الصلاة ، ومئذنة الجامع ، وأحاديث الجدات حول المدفأة؟؟!!

 أبداً….. أبداً…….أبداً

فها أنا هنا ، لأني  مستودع الذكريات التي كلما مر عليها الزمن تجددت وولدت من جديد ، وكلما زاد بعد المسافات بكم عنها زادت قرباً منكم ، حلوها ومرها في الحضور سواء ، قديمها وجديدها في الحضور سواء، الأحياء من أبطالها والأموات في الحضور سواء .

أنا لي جسد وروح مثلكم تماماً ، تحملني أقدامكم إلى أرجاء الدنيا كلها , أكلمكم وأهمس في أذانكم , أبكي بعيونكم ويغص حلقي بعبراتكم، أنزف ألمًا كلما تجدد جرح أحدكم.

وكلما تاهت بوصلة الإتجاهات بكم…… أحدد مكاني لكم ، وأنده عليكم : لقد أضناني سفركم  , وأرهقني دوم ترحالكم ، وكم تعذبني طول المسافات , وكم يؤلمني تيهكم بين الدروب, وكم يؤرق خاطري هاجسي في أن تفقدوا خريطة  الإياب فلا أستطيع بعدها الحصول عليكم  .

ولأن موعد اللقاء يبقى رغم كل محاولاتي مجهولا ً,أطوف على عناوينكم لأني أشفق على أجنحتكم التي أتعبها الرتحال, فأضمد الجراح التي خلفها الزمن القاسي.  

 ها أنا هنا……… أيها المنبعثون من كبدي، الموغلون في البعد عني أنتظر يمامات الحنين كي تسمعني لحناً شجيا ً عذبا ً يروي تفاصيل ذكرياتكم الحميمة ،ومثلكم أنا لا أخفي إشتياقي لتلك الرياح التي تحمل أرواحكم إلي في جنح الليالي حاملة معها أشواقكم وبعض الدموع.