Image title

ولم أكن لأعتقد أبداً أن مانمر به حالياً ويمر به العالم بأسره من أزمة جائحة كورونا سيكون بمثابة صحوةٍ قد ألقت عليّ بدلو ماءٍ بارد في أثناء سباتٍ عميق، فهل يخيل لك أن تستيقظ يوماً صباحاً في ظل هذه الأزمة بسؤالٍ محرجٍ للنفس، كسؤال: ماذا قدمتُ لنفسي في هذه الحياة، وهل عِشت حقاً سعيداً؟

لزمنٍ طويل وليس ببعيد، كنت أبحث دوماً عن مفهوم (السعادة)، وبالواقع ظننت أنني أعيش حياةً سعيدة متكاملة قبيل الأزمة-والتي أعطتني وقتاً وفيراً للتفكير وأعادة النظر في كثيرٍ من الأمور-، كنت أعتقد أنني أحيى الحلم، أعيش حياةً مثالية بالمفهوم الذي أعتدنا جميعاً عليه، وكما صورته لنا ثقافة المجتمع، المحيط، الميديا، وغيرها الكثير من العوامل الأجتماعية والنفسية، كطبيعة النفس البشريه وحبها للمال والتملك، ﴿٧ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿٨، فتهيأ لنا نفسنا بأن السعادة التامه والوصول للكمال في الحياة أمران ضروريان يتحققان من حصولنا على مانريد، حياة مرفهه، وظيفة بمرتبٍ عالٍ، مظهرٍ جذاب، كسب أعجاب وقبول جميع الناس،  سيارة بأعلى المواصفات، حفلات وأجتماعات مع الأصدقاء، تسوقٌ دائم، ، سفر لأجمل بلدان العالم، فرحٌ مستمر، وبالمختصر حصولنا على كل ماتشتهيه أنفسنا وجرت عليه العادة، حتى أصبحت هذه الأمور أولويات وليست مكملات للشعور بالرضا عن حياتنا. ولذا الآن، نجد أنفسنا ضيقة لفقدانها الكثير مما يخيل لنا بأنها مقومات السعادة التي يجب أن نعيشها والتي نحن في سعيٍ مستميتٍ لها.

لن أدعي الكمال والمثالية، وأخبركم بأن هذه الأمور والتي هي بعضها قد غدت متطلبات حياتية لاتبعث بالأطمئنان والشعور بالرضا والأكتمال الذاتي، فلطالما سعينا جاهدين للوصول الى أعلى المراتب، كم أحتجنا أن نروح عن أنفسنا، وكم أدخرنا من أموال من أجل الأستمتاع بأجازة سفر مع من نحب والتي خلقنا ذكرياتنا الجميلة بها، ولكن يبقى السؤال بعد هذا كله، بعد كل نشاط روتيني وغير روتيني يومي أعتدنا أن نقوم به، بعدما أستنزفنا طاقتنا وأموالنا لكي نصل للشعور بالأنجاز وبالسعادة اللحظية في بعض الأمور، وأرضاء من يجب أرضاءه للوصول الى مركزٍ ما، يبقى السؤال الأهم، هل هذه هي فعلاً السعادة الحقيقية ؟بمعنى أن بعدم توافر هذه الكماليات ينتفي تحقيق السعادة؟

هل الجري المستمر والدؤوب وراء الحصول على مانعتقده مسبباً للسعادة فعلاً سيجلب السعادة والراحة الأبديه لنا؟ السعادة التي تتناغم مع غايتنا وهدفنا الوجودي والمحدد بفترةٍ زمنيةٍ ماضيه؟ ماذا لو أن حياة الأنسان كانت عبارة عن قصصٍ حزينة وخيباتٍ كثيرة، لم يستشعر السعادة يوماً بعدم حصوله على اي من مسببات السعادة الأفتراضيه، وكانت الحياة تخالفه دوماً، فلماذا لايزال إذاً يأخذ أنفاسه لهذه اللحظة؟ هل لدينا سببٌ وجيه حينها لأن نحكم عليه بسلب أنفاسه الأخيرة؟

وماذا عن أولئك الأثرياء والذين يدعون بأنهم ومع كل مايملكون لم يستشعروا طعم السعادة يوماً؟ بل ماذا عن أيامنا السابقه قبل العشرون عام، هل تتذكرون كمّ السعادة الذي كنا به، سعادةً تفوق كل مانشعر به الآن مع كل التطور الذي شهدناه منذ بداية دخول الألفية الثالثه!

وعلى العكس من ذلك، ماذا لو كانت السعادة الحقيقة تتحقق بمجموعةٍ من الأنشطة والأفعال الحسنة والمفيدة التي قمت بها يوماً ما، وكنت قد أدخرتها -مجازاً- بجارٍ زجاجي تضعه بالقرب من وسادتك، تنظر إليه بفخر ليلةً بعد ليلة، وقد ترخي غطاءه المحكم بأغلاق لتضيف اليه كلما تسنح الفرصة لديك، تضيف المزيد والمزيد اليه مما يبني بداخلك حقاً شعور السعادة والرضا؟ ماذا لو أنك جعلت من هذا العالم مكاناً أفضل؟ ماذا لو أنك جعلت من نفسك ومن من تحب أشخاصاً أفضل؟ ألن تستشعر حينها حقا معنى الحياة ومعنى السعادة؟

ماذا لو أنك ساهمت بأي نشاط وظيفي أو مجتمعي دون مقابل؟ ماذا لو أنك تعلمت أو نشرت علماً، أو صنعت ماتستفيد به أو يستفيد به غيرك؟ ماذا لو أنك رسمت أبتسامةً لشخصٍ غريب، أو واسيت من كان يتألم، أو مجرد أنك أستمعت لشكوى من يحتاج الأنصات؟ ماذا لو أنك قدمت أي خدمة دون أن تنتظر كلمة شكر أو عرفان، أو أنك كنت دائما الشخص الكريم و المعطاء لعائلتك؟ ماذا لو أنك ببساطه قدمت المساعدة لمن يحتاجها دون أن تٌطلب؟!

وهنا نذكر قول الأمام الصادق عليه السلام: "من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة".

وتتعدد الأمثله والأفعال التي تضفي نوعاً من السلام الداخلي، والأرتياح والجمال الروحي، الذي يرتقي بالأنسان الى درجةٍ هي أعلى من درجة السعادة برغم ماتمر به النفس من ظروفٍ قاسية. فالبحث عن السعادة والسعي للكمال بالأمور الدنيوية لهو أمرٌ مجهد، فهذه الحياة مليئةُ بالتحديات والعقبات والأحزان، ولكن أن نكون معطائين، مفيدين، ساعيين لترك بصمةٍ طيبة أثرها باقٍ، لهو أمرٌ جميل، زهيدٌ ويسيرٌ على الجميع.

وهنا أنهي المقال بأقتباس للفيلسوف رالف والد إمرسون: 

"الغرض من الحياة ليس أن تكون سعيدا. أن تكون مفيدًا ، أن تكون مشرفًا ، أن تكون عطوفًا ، أن تحدث فرقًا قد عشته وعشته جيدًا".