Image title

        لا فرق بين الإنسان وبين أصغر الحيوانات قيمة، و شأنا إذا نظرنا إلى الجانب الفيزيولوجي، و التشريحي،بل ما أعظم باقي الحيونات قوة و عظمة!وما أكثرها سرعة و صبرا و احتمالا!فبماذا يتميز الإنسان ،ذلك الكائن الضعيف؟

         إن ما جعل هذا المخلوق مميزا على باقي الكائنات، هو ما حباه الله به من ثقافة،فالفطرة الذي فطره الله عليها زودته بقدرة ذهنية أتاحت له التكريم و التفضيل على ما يذب على الأرض من دواب،وما يطير في السماء من طيور،وما يسبح في البحار و المحيطات من مخلوقات لا نحيط بها علما و لا حصرا !!!!

          و هذه الثقافة تتميز بالتعدد و الإختلاف،و بالتنوع الكبير و الغزير، بشكل جعل الأفراد يتمايزون و يتباينون،وجعل جماعاتهم أيضا تختلف بكيفية جعلت العلماء الذين درسوا الكائن الإنساني(الأنتروبولوجيون و علماء الإجتماع و غيرهم)قادرين على استخلاص مجموعة من الوسائل النظرية التي يسرت لهم معرفة المميزات الإثنية التي يختص بها الناس و مجتمعاتهم و صنوف حياتهم،مما يعطينا فكرة على قدرة هذا التنوع الثقافي العميق على رسم الخط الزمني للمراحل التاريخية التي مرت منها البشرية ،و ماطبعها من حروب و صراعات دامية،و التي كانت هذه الثقافة سببا فيها،وكانت أيضا السبب في تواصل و تعاون هذه الجماعات ماديا و لا ماديا ،مما سهل التثاقف الذي سمح للإنسان بخدمة أخيه الإنسان عن وعي و عن غير وعي في أحيان كثيرة....

           و لو لم يكن الإنسان كائنا ثقافيا لما كان إنسانا،فإنسانيته تتحدد بمدى نمو مكون الثقافة لديه،فهذا المكون حاجة وضرورة فطرية جبل عليها كما جبل على الماء،فكلما زادت حركته و احتكاكه مع الأخرين كلما احتاج جسمه للماء و عقله للثقافة !!! وهذا ما يفسر تدرج الإنسان في سلم الحضارة،و جعل التطور البشري ينمو وفق مراتب و مراحل متدرجة.

          و كانت الثقافة في أنبل تجلياتها تعكس القيم الرفيعة،التي تجعل الإنسان يتحرر من النزعة الحيوانية التي غالبا ما توقظ فيه قيم الأنانية و الطمع و الجشع التي لا يتصنعها في الغالب، بل هي فطرية لا ينفك عنها إلا بقدر ما تمكنت الثقافة منه،و استحكمت في البنية الحيوانية لديه !!!! و بالتالي فعمق الثقافة دليل على اقتراب الإنسان من إنسانيته ،و سطحيتها مؤشر على اقتراب الإنسان من حيوانيته و سلطة جسده.

         إن عمق الثقافة أيضا يجعلنا نراعي ثقافة الآخرين الذين يخالفوننا في العقيدة أو في نمط العيش،حتى لا نوهم أنفسنا بأفضلية ثقافتنا على الثقافات الأخرى ،ولعل تعاليم ديننا الحنيف أكبر دليل على مشاركة ثقافتنا الإسلامية في الدعوة إلى القيم الرفيعة التي تكرس التسامح و الإخاء و الإحترام بصرف النظر عن ثقافة الآخرين و دينهم و جنسهم....