ربيع اليمن لم يزهر,أرضه لم تعد خصبة بل صارت صلدة,مرّ الربيع مرور الكرام على عجل, زحف الخريف حثيثا فتساقطت كل الأوراق مبكرا بفعل تدخل أعداء اليمن,اسقطوا الرئيس, لكن كل شيء بقي على حاله, وكأنما المشكلة كانت في شخص الرئيس,لم يتغير شيء,ازداد النفوذ القبلي والعشائري ومعه قوي تنظيم القاعدة,بات أكثر قدرة على إحداث القلاقل وصار مسرحا للاقتتال بين التنظيم والأمريكان, أصبح باب المندب بابا مشرعا لدخول الإرهابيين لزعزعة امن واستقرار المنطقة.
أواخر القرن الماضي استبشرنا خيرا باتحاد شطري اليمن, تحققت مقولة صنعاء وان طال السفر, كنا نعدها خطوة نحو توحيد الأمة,بعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا,هللنا وكبرنا,ضحّى الجنوبيون وخاصة القادة بمراكزهم لأجل اليمن لأن يكون سعيدا كما كان.حكام صنعاء أرادوا أن يحكموا وحدهم من منطلق الأغلبية والأقلية, أشعلوها حربا ضروسا ضد الجنوبيون,العالم لم يحرك ساكنا واعتبره شان داخلي,أصبح القادة الجنوبيون مطاردون,يبحثون عن ملجأ لهم,أحوال الجنوبيون لم تتحسن بفعل الوحدة فأصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية,ويلعنون ذلك اليوم الذي أعلنوا فيه قيام دولة اليمن الموحد.
الفساد وعدم الاستقرار,شجع القبليون والجهويون على رفع الصوت في وجه الحكومة,تدفق السلاح بمختلف أنواعه ليصب في مخازن كافة الأطراف,الدولة المركزية لم تعد قادرة على حماية مؤسساتها, فانهارت,زحف الحوثيون على العاصمة,دخلوا دون مقاومة,ما يعد مؤشر سخط على أعمال الحكومة,سيطروا على مؤسسات الدولة,رضخ الرئيس لمطالبهم,أصبحوا هم الحكم,يريدون (مع افتراض حسن النية)القضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين,لا نعتقد أن ذلك ممكنا في بلد نخره السوس, لعقود,ومحط أنظار أعداء الأمة للسيطرة على الممر المائي,لتكون قاعدة ارتكازهم لتفتيت الأمة,المهمة أمام الحوثيون لن تكون سهلة,إن لم نقل مستحيلة.
الجنوبيون وجدوا في تحرك الحوثيون فرصة في إعلان رغبتهم بالعودة إلى دولتهم الوطنية واتخذوا من عدن مقرا لاعتصاماتهم وقرروا بأن لن يبرحوا أمكنتهم حتى يعود إليهم وطنهم الذي فرطوا به عن طيب خاطر,يرفعون صور قادتهم الوحدويون,يترحمون على تلك الأيام رغم تعاستها.
الغرب ولاشك يسعى جاهدا إلى تفتيت كل بلد عربي ومسلم وإحداث الفتن ومن ثم التقاتل,والنتيجة بالطبع نشوء كيانات قزميه,سيكس بيكو جديد,ليزداد عدد الدول العربية,ستختفي الجامعة العربية ,لأنها ومنذ عقود لم تجمع العرب بل ساهمت إلى حد كبير في شرذمتهم,والسبب هو سيطرة حكام شعوبيون على الجامعة,فكانت قراراتها سببا في ما يحدث للأمة من أعمال قتل وتشريد وتدمير لمقراتها بفعل الغرب وأزلامهم.
اليمن,كان سعيدا في ماضيه بسبب ما وهبه الرب من وسائل قيام الحضارة من مياه وارض خصبة, حتى قيل أنه جنة الدنيا,حكامه وجيرانه وأعداؤه,على السواء ساهموا في جعله فقيرا,فرغم ظهور النفط بأراضيه ومياهه الإقليمية,إلا أن عائداته ذهبت إلى جيوب المتسلطين عليه,رعاياه يعملون بدول الجوار,خدم وحشم,تفاقمت أزماته المالية,استطاعت القوى التكفيرية أن تجذب إليها الشباب العاطل عن العمل,هناك العديد من مراكز التدريب(الفقهية والتسليحية) للتكفيريين من كل أنحاء العالم,على مرأى ومسمع حكام صنعاء,وأصبحت تمد العالم بالإرهابيين.
يعز علينا أن نرى اليمن,الذي خرجنا منه (عرب شمال إفريقيا) يوما ما لنعمر الأرض رسل حضارة,يرزح تحت الفقر والجهل والفكر التكفيري,مقسما تتقاذفه أمواج عاتية قد لا يرسو على بر.