بسم اللّهِ الرحمن الرحيم.

الحمدُ لِلّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على محمّدٍ خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين؛ وبعدُ:

لا زال بعضُ النّاسِ يُشكِّكون المسلمين في دينهم، ويزعمون أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- كان رسولاً للعرب خاصّة، وأنّ الرسالةَ لم تُخْتَم بِبِعْثتِه!

ويحتجّون على ذلك بأدلّةٍ، لا قيمةَ لها في ميزان النقد العلمي النّزيه.

ولقد دلَّ النَّقْلُ الصّحيحُ، والعقلُ الصّريحُ على أنّ نبيّنا محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- أرسله الحقُّ تعالى إلى جميع البشر، وجعله آخر الأنبياء والمرسلين.

ولقد تَمّ تقسيمُ هذا البحثِ إلى فَصْليْن:

- الفصل الأوّل؛ لبيان أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- أرسله الحقُّ تعالى إلى كافّة البشر.

- الفصل الثاني؛ لبيان أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- هو آخرُ نبيٍّ ورسولٍ إلى البشرية كلّها.

الفصلُ الأوّل: الأدِلَّةُ اليقينيّةُ على أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- أُرسِلَ إلى جميع سكان المعمورة.

إنّ من خصائصِ رسالة الإسلام وتميُّزِها عن الرسالات السابقة، أنّها جاءت عامّةً لجميع البشر وإلى آخر الزمان؛ فلقد كان نداءُ جميع الأنبياء السابقين -كما جاء في القرآن العظيم- «يا قوم». وكانت رسالةُ عيسى عليه السّلام مُوَجّهةً أيضاً إلى قومه بني إسرائيل فقط، لا إلى الإنسانية جمعاء كما يقول البعضُ؛ قال تعالى:( وَإِذۡ قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُم مُّصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولࣲ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ ) [الصف 6].

وقال سبحانه:( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ) [ آل عمران: جزء من الآية 49 ].

بينما قال اللّهُ تعالى في خطاب نَبِيِّهِ محمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-:

• (قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [الأعراف 158].

قال ابن كثير في تفسيره:" يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- (قُلْ) يَا مُحَمَّدُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وَهَذَا خِطَابٌ لِلْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَالْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ، (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) أَيْ: جَمِيعُكُمْ".

• وقال سبحانه: (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ) [الأنبياء:107].

وقال النَّبِيُّ صلّى اللّهُ عليه والسّلام عن نفسِه: ( وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً. ) [ جزء من حديث رواه البخاري ومسلم ].

والذين ينكرون عالَميَّةَ رسالةِ الإسلام، يزعمون أنّ الآيتين السابقتين، ليس فيهما دليلٌ على أنّ خطابَ الإسلامِ، مُوَجَّهٌ أيضاً لليهود والنصارى ولباقي الأمم؛ ويُردُّ عليهم بما يأتي:

أ- لا يوجد أي دليل على إخراج اليهود والنصارى وباقي الأمم من (الناس) أو من (العالمين)؛ وقوله -صلّى اللّهُ عليه والسّلام-: (وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً) جاء توكيداً لعالَمية الإسلام؛ لأنّه استعمل كلمة (الخلق) وكلمة (كافّة).

ب- قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبࣲ وَحِكۡمَةࣲ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ * فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ) [آل عمران: 81-82].

قال ابن كثير في تفسيره: "يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَ كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَهْمَا آتَى اللَّهُ أحدَهم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَبَلَغَ أَيَّ مبلَغ، ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولٌ مِنْ بَعْدِهِ، ليؤمنَنَّ بِهِ ولينصرَنَّه، وَلَا يَمْنَعْهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ مَنْ بُعِثَ بَعْدَهُ وَنُصْرَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) أَيْ: لَمَهْمَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي)".

وقال الإمامُ الرازي في تفسيره:"اعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآياتِ تَعْدِيدُ تَقْرِيرِ الأشْياءِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَ أهْلِ الكِتابِ مِمّا يَدُلُّ عَلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ قَطْعًا لِعُذْرِهِمْ وإظْهارًا لِعِنادِهِمْ، ومِن جُمْلَتِها ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ وهو أنَّهُ تَعالى أخَذَ المِيثاقَ مِنَ الأنْبِياءِ الَّذِينَ آتاهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ بِأنَّهم كُلَّما جاءَهم رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم آمَنُوا بِهِ ونَصَرُوهُ، وأخْبَرَ أنَّهم قَبِلُوا ذَلِكَ وحَكَمَ تَعالى بِأنَّ مَن رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كانَ مِنَ الفاسِقِينَ، فَهَذا هو المَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ فَحَصَلَ الكَلامُ أنَّهُ تَعالى أوْجَبَ عَلى جَمِيعِ الأنْبِياءِ الإيمانَ بِكُلِّ رَسُولٍ جاءَ مُصَدِّقًا لِما مَعَهم."

وقال ابن الجوزي في «زاد المسير :" وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إنَّما أخَذَ المِيثاقَ عَلى النَّبِيِّينَ، وأُمَمِهِمْ، فاكْتَفى بِذِكْرِ الأنْبِياءِ عَنْ ذِكْرِ الأُمَمِ، لِأنَّ في أخْذِ المِيثاقِ عَلى المَتْبُوعِ دَلالَةٌ عَلى أخْذِهِ عَلى التّابِعِ."

وقال ابن جُزَيّ في «التسهيل لعلوم التنزيل»:"(وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ) معنى الآية؛ أن الله أخذ العهد والميثاق، على كل نبيّ أن يؤمن بمحمد -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-، وينصره إن أدركه، وتضمن ذلك أخذ هذا الميثاق على أمم الأنبياء."

ثمّ قال ابن جُزَيّ:"(فَٱشْهَدُواْ) أي على أنفسكم وعلى أممكم بالتزام هذا العهد (وَأَنَاْ مَعَكُمْ) تأكيد للعهد بشهادة رب العزة جلّ جلاله (بَعْدَ ذٰلِكَ) أي من تولى عن الإيمان بهذا النبي -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- بعد هذا الميثاق؛ فهو فاسق مرتد متمرد في كفره."

وقال الشوكاني في «فتح القدير»:" (فَمَن تَوَلّى) عَنْكَ يا مُحَمَّدُ بَعْدَ هَذا العَهْدِ مِن جَمِيعِ الأُمَمِ (فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ) هُمُ العاصُونَ في الكُفْرِ. "

ج- قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ * فَإِنۡ حَاۤجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِیَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡأُمِّیِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهۡتَدَوا۟ۖ وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ) [آلِ عِمْرَانَ: 19-20].

قال الشوكاني في تفسيره:"وقَوْلُهُ: (أأسْلَمْتُم)، اسْتِفْهامٌ تَقْرِيرِيٌّ يَتَضَمَّنُ الأمْرَ؛ أيْ: أسْلِمُوا، كَذا قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ.

وقالَ الزَّجّاجُ: ( أأسْلَمْتُمْ ) تَهْدِيدٌ، والمَعْنى: أنَّهُ قَدْ أتاكم مِنَ البَراهِينِ ما يُوجِبُ الإسْلامَ فَهَلْ عَلِمْتُمْ بِمُوجِبِ ذَلِكَ أمْ لا ؟"

وقال ابن جُزَيّ في «التسهيل لعلوم التنزيل»: "(أَأَسْلَمْتُمْ) تقرير بعد إقامة الحجة عليهم أي: قد جاءكم من البراهين ما يقتضي أن تسلموا. (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ) أي: إنما عليك أن تبلغ رسالة ربك، فإذا أبلغتها فقد فعلت ما عليك".

د- قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) [رواه مسلم].

ھ- قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) [رواه البخاري ومسلم].

و- قال تعالى: (یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتِیَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ وَأَوۡفُوا۟ بِعَهۡدِیۤ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ * وَءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوۤا۟ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰا وَإِیَّـٰیَ فَٱتَّقُونِ * وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ * وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُوا۟ مَعَ ٱلرَّ ٰ⁠كِعِینَ ) [البقرة: 40-43].

قال ابن كثير في تفسيره:" (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) قَالَ مُقَاتِلٌ: قَوْلُهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْكِتَابِ: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَآتُوا الزَّكَاةَ) أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْتُوا الزَّكَاةَ، أَيْ: يَدْفَعُونَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."

وقال ابن الجوزي في «زاد المسير»: "قَوْلُهُ تَعالى: (وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ)، أيْ: صَلُّوا مَعَ المُصَلِّينَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصَّحابَةَ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وقِيلَ: إنَّما ذَكَرَ الرُّكُوعَ، لِأنَّهُ لَيْسَ في صَلاتِهِمْ رُكُوعٌ، والخِطابُ لِلْيَهُودِ. وفي هَذِهِ الآَيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِالفُرُوعِ".

وقال النسفي في «مدارك التنزيل»:" (وَأقِيمُوا الصَلاةَ وآتُوا الزَكاةَ) أيْ: صَلاةَ المُسْلِمِينَ وزَكاتَهم (وارْكَعُوا مَعَ الراكِعِينَ) مِنهُمْ، لِأنَّ اليَهُودَ لا رُكُوعَ في صَلاتِهِمْ، أيْ: أسْلِمُوا واعْمَلُوا عَمَلَ أهْلِ الإسْلامِ."

وقال ابن جُزَيّ في «التسهيل لعلوم التنزيل»:"(وأقِمُوا ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ) يراد بها صلاة المسلمين وزكاتهم، فهو يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام"!

ز- لَقَدْ عبّر النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن عالمية رسالة الإسلام؛ بِكِتابَتِه رسائل إلى ملوك وأمراء العالم المعاصر لِفَتْرةِ النُّبوَّةِ، يدعوهم فيها إلى الإسلام: فلقد توجه سفراؤه -صلى الله عليه وسلم- بتلك الرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى المقوقس عظيم القبط في مصر، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى هرقل عظيم الروم، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وغيرهم من ملوك وأمراء ...

روى مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»: "وَكَاتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيّ الَّذِي أَسْلَمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ، ثُمَّ كَاتَبَ النَّجَاشِيّ الَّذِي وَلِيَ بَعْده وَكَانَ كَافِرًا".

ويحتفظ متحفُ إسطنبول ببعض هذه الرسائل، ويحتفظ معرضُ الرسول الكريم في المدينة المنورة بنسخ طبق الأصل لهذه الرسائل.

ويمكن الاطِّلاعُ عليها في كتاب «مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة»، للدكتور محمد حميد الله الهندي، دار النفائس، ط 6، سنة 1987. وهذا الكتاب هو رسالة قدّمها في «جامعة السوربون» للحصول على شهادة الدكتوراه.

إنّ النُّصوصَ القرآنية، والأحاديثَ النّبَوِيَّة، والرسائل الموجهة من طرف النَّبيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- خارج الجزيرة العربية إلى ملوك وأمراء العالم آنذاك، والتي لا زالت موجودةً بين أيدينا، لهي أدِلّةٌ قاطعةٌ على أنّ رسالةَ الإسلامِ رسالةٌ عالميةٌ لجميع الأمم والشعوب.

ح- قال الدكتور عدنان محمّد زرزور في ردِّه على بعضِ الشُّبُهات حول عالمية رسالةِ الإسلام:" ولا اعتراضَ على عمومِ الدّعوةِ وعالَمِيّة الرسالة بمرحلةِ تبليغها للنّاس، حيثُ أُمِرَ النَّبِيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- أنْ يتوجّه بالخطاب أو الدّعوة أوّلاً إلى عشيرته الأقربين، قال تعالى:(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ثمّ إلى أُمِّ القرى -مكة- ومَنْ حولها، قال تعالى:(لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا)؛ لأنّ هذه هي الوسيلة الطبيعية في التبليغ، وهي وسيلة -أو طريقة- في إيصال الدعوة إلى النّاس ليس غير.

أمّا عمومُ الرسالة وعالمية الدعوة فقد كانت تتمثل في خطاب العشيرة وفي خطاب أهل مكة، وفي خطاب العرب، بقوله منذ اليوم الأول للبعثة:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) وليس ( يا قوم ) كما فعل الأنبياءُ السابقون." [ انظر: في الفكر والثقافة الإسلامية ( المدخل والأساس العقائدي )، الدكتور عدنان محمّد زرزور، المكتب الإسلامي، ط 4 - سنة 1991م، ص141-142].

الفصلُ الثّاني: الأدِلَّةُ اليَقينيّة على أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- هو آخرُ أنبياءِ اللّهِ ورُسُلِه.

1- قولُه تعالى:(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40].

وَكلِمَةُ (خاتم) في لغة العرب، التي نزل بها القرآنُ الكريمُ، جاء معناها كما يأتي:

• [الخاتِمُ]: من كل شيء: آخره.

وفي التنزيل العزيز: (ولَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّيِنَ) [الأحزاب: 40][المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية بالقاهرة].

• وخاتِمةُ الشيءِ آخرُه، ومحمّدٌ صلى الله عليه و سلم خاتمُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. [مختار الصحاح].

• وخِتامُ القَوْم وخاتِمُهُم وخاتَمُهُم آخرُهم ... وفي التنزيل العزيز (ما كان محمد أَبا أَحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتِمَ النبيّين) أَي آخرهم، قال وقد قُرِئ وخاتَمَ. [لسان العرب].

• وختمت الشيءَ أختِّمه خَتْماً، إذا بلغت آخره. أختم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم، خاتِم النبيين. [ت - خ - م (جمهرة اللغة)].

• (وخاتَم النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40]؛ لأنّه ختم النُّبُوَّةَ، أي: تمّّمَها بِمَجِيئِه. [المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، حرف الخاء، مادة «ختم»، ص 190].

• وقال ابن جُزَيّ في «التسهيل لعلوم التنزيل»: "(وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ)، أي: آخرهم فلا نبيّ بعده -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ وقُرِئ بكسر التاء بمعنى أنه ختَمهم فهو خاتِم، وبالفتح بأنهم خُتِموا به فهو كالخاتَم والطابع لهم".

* شُبْهَةٌ وردُّها.

زعم بعْضُ النّاسِ أنّ هذه الآيةَ ذكرَتْ أنّ النّبيَّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- هو آخرُ الأنبياءِ لا آخر الرُّسُل؛ واستدلُّوا بذلك على أنّه -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- ليس آخرَ رسولٍ!

وهذه حُجّةٌ واهِيةٌ، أوهى من بيت العنكبوت؛ قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:"فَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ فَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّ مَقَامَ الرِّسَالَةِ أَخَصُّ مِنْ مَقَامِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَا يَنْعَكِسُ".

ولقد وَرَدَ في القرآن الكريم ما يدلّ على أنّ كلَّ رسولٍ نَبِيٌّ؛ قال تعالى: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ فِیمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِيه) [البقرة: جزء من الآية 213].

في هذه الآية يخبرُنا الحقُّ تعالى أنّه بعث الأنبياء (مُبَشِّرِينَ) بِالثَّوَابِ مَنْ آمَنَ وَأَطَاعَ (وَمُنْذِرِينَ) مُحَذِّرِينَ بِالْعِقَابِ مَنْ كَفَرَ وَعَصَى.

ولا شكّ أنّ الرّسُل قد بعثهم اللّهُ -أيضاً- (مُبَشِّرِينَ) و(مُنْذِرِينَ)، وعدمُ ذكرِهم في هذه الآية يدلّ على أنّ كلَّ رسولٍ نبيٌّ؛ ولذلك فإنّ المُفسرين -عند تفسيرهم لهذه الآية- يذكرون أنّ جمْلَةَ الأنبياء مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَالرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. فيجعلون الرّسُل منهم -أي من الأنبياء-.

وجاءت آياتٌ أخرى في القرآن الكريم، تذكر الأنبياء دون أنْ تذكر الرسل، وهي تقصد الأنبياء والرسل أيضاً؛ منها:

• قولُه تعالى: (وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ وَجِا۟یۤءَ بِٱلنَّبِیِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونََ) [الزمر: 69].

قال ابن كثير في تفسيره:"(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ بِأَنَّهُمْ بَلَّغُوهُمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ."

والرُّسُلُ كانت أعظمُ مُهِمَّتِهم هي تبليغ رِسَالَاتِ اللَّهِ إلى أُُمَمِهِم، ولا شكّ أنّهُم سيَشْهَدون عليهم يومَ القيامة أَنَّهُمْ بَلَّغُوهُمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ؛ وهذا دليلٌ على أنّ الآيةَ السابقة، تقصد بالأنبياءِ الأنبياءَ والرسل، وهذا يعني أنّ كلَّ رسولٍ نَبِيٌّ.

• وقوله تعالى:( لیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ... ) [البقرة: جزء من الآية 177].

ولا شكّ أنّ الإيمان بالرّسل واجب، وعدمُ ذكرهم يدلّ على أنّ كلَّ رسولٍ نَبِيٌّ.

لقد تقَرّرَ لدينا إذن أنّ كلَّ رسولٍ نَبِيٌّ، وبما أنّ النُّبوَّةَ قد خُتِمَت؛ فإنّ الرسَالَةَ قد خُتِمَتْ أيضاً. وبما أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- رسولٌ، وهو الذي جاءنا بهذه الآيات التي تدلّ على أنّ الرّسالةَ قد خُتِمَتْ؛ فإنّه آخرُ الرّسل، فلا رسولَ بعده. وبهذا يَتَبَيَّنُ لنا أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- هو آخرُ نبيٍٍّ وآخرُ رسولٍ، وفي هذا ردٌّ على كلِّ من ادّعى النبوة أو الرسالة بعده -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-!

2- قال النّّبِيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-:( إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ؛ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ ). [رواه البخاري ومسلم].

وطوافُ أولئك النّاسِ بهذا البيت الجميل، الذي لبِناتُه هم الأنبياءُ، دليلٌ على أنّهُم كانوا ينتفعون بتوجيهاتهم وهدايتهم إلى صراط اللّهِ المستقيم، وهذا دليلٌ على أنّ هؤلاء الأنبياء كانوا رُسُلاً مِن اللّهِ يُبَلِّغُونهُمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وهذا برهانٌ آخرُ على أنّ كلَّ رسولٍ نَبِيٌّ.

وانتظارُ النّاسِ إتمام بناء البيت، وتجميله بوضْعِ اللّبِنة الأخيرة فيه، معناه انتظارُ آخرِ رسولٍ يُبلِّغُهم رسالةَ اللّهِ إليهم ويُكَمِّلُها -تعالى- على يديه؛ وهذا يعني أن الرِّسالةَ قد انتهى زمنُها، وخُتِمَتْ بمحمّدٍ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ والبيتُ لم يَعُدْ في حاجةٍ إلى لبِنَةٍ أخرى توضَع، سواء أكانت هذه اللّبِنَةُ رجلاً أم امرأةً!

3- قوله صلّى اللّهُ عليه والسّلام: (فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) [ رواه البخاري ومسلم ].

في هذا الحديث، قبل أنْ يَذْكرَ النَّبِيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- أنّه قد خُتِمَ بهِ النَّبِيُّونَ، وصَفَ نفسَه بأنّه رسولٌ أُرْسِلَ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً؛ وهذا يُفْهَمُ منه أنّ إرسالَه -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- إلى الْخَلْقِ كَافَّةً، يعني أنّ البشريةَ لن تحتاجَ بعدَه إلى رسولٍ أو نَبِيٍّ يُجَدِّد لها طريق الهداية؛ فلقد خُتِمَ بِه النَّبِيُّونَ والمُرسَلُون، ولم يبْقَ إلاّ دورُ العلماءِ وَرَثَةِ الأنبياء.

4- قوله -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- : «إنّ الرّسالةَ والنُّبُوَّةَ قد انقطعت؛ فلا رسولَ بعدي ولا نَبِيَّ». [جزءٌ من حديثٍ رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم؛ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه. [ انظر تخريجه في: https://al-maktaba.org/book/31615/27503 ].

5- قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. ) [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].

في هذا الحديث أخبر النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّه سَيَدّعِي الرّسالة بعدَه وإلى ما قبْل قيام السّاعة كَذَّابُونَ، ولمْ يذكرْ في هذا الحديث ولا في غيره أنّه سيظهر رسولٌ صادقٌ في دعواه؛ وهذا يدلّ على أنّ كلَّ مَن ادّعى الرسالة بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنّه كاذبٌ، وأنّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو آخرُ الرّسُل.

الخاتمة: وفي ختامِ هذا البحثِ، يَتَبَيَّنُ لنا أنّ محمّداً -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- مَبْعُوثٌ إلى الإنسانية جمعاء، وأنّه -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- هو آخرُ نبيٍٍّ وآخرُ رسولٍ، فلا نَبِيَّ بعده ولا رسول.

انتهى البحثُ، والحمدُ لِلّهِ على نعمة الإسلام، الذي جاء به خيرُ الأنام.

وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل