بسم اللّهِ الرحمن الرحيم.
الحمدُ لِلّه فاطرِ السموات والأرض، والصّلاةُ والسّلامُ على محمّد خاتَمِ الأنبياء والمرسلين. وبعدُ:
إنّ اعتمادَ الإنسانِ على الرؤى والاحلام، وتفسيرَها بدون الرجوع إلى عُلماءِ تعبير المَنام، قد يجرُّه إلى اتخاذ قراراتٍ خاطئة، كالتّسرع في الزواج أو الدخول في مشاريعَ بدون دراسة، أو الحكم على الأشخاص بدون برهان ولا بَيِّنة!
وهذه مسائلُ تتعلّقُ بالرّؤيا، لا بُدّ منها؛ حتّى لا يقعَ الإنسانُ فريسةَ جهلِه، ولا يفزع أو يغترّ بما يراه في منامه!
المسألة 1: أنواعُ ما يراه النّائم.
قال النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-:( إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نفْسَهُ ) [رواه مسلم].
قسّم علماءُ التعبير ما يراه النائمُ إلى ثلاثة أنواع، وهي:
- الرؤيا: وتكون من عند الله تعالى، وقد يُراد بها التبشير بخير، أو التحذير من شر، أو إرشاد إلى الخير، أو مساعدة على الخروج من مشكلة.
- حديث النفس: وهو عبارة عن أحداثٍ مرّت على الإنسان أو مخاوِفَ يترقّبها، أو رغباتٍ يرغب فيها، يُعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء النوم.
- الحُلُم: وهو ما يراه النائم من أمور تُزْعِجه، وهو من الشيطان.
المسألة 2: كيف نتأدّب مع الرؤى؟
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ) [ رواه البخاري ]
وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) [رواه مسلم].
وقال صلّى اللّهُ عليه وسلم: (... فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ) [رواه مسلم].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (الرُّؤْيَا ثَلاثٌ : فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّ إِنْ شَاءَ وَإِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ يُصَلِّي ) [صحيح سنن ابن ماجه].
المسألة 3: تحريمُ الكذب في الرُّؤيا.
قَالَ النّّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِنْ أفْرى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ) [ رواه البخاري ].
قال الشيخ الدكتور محمّد علي الصابوني: "أخبر رسولُ اللّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّ أَكذََبَ الكذبِ، وأقبحَ أنواعِ الافتراء على اللّهِ عزَّ وجلَّ، أنْ ينسب الشخصُ إليه، أنّه رأى رؤيا في المنام، فيها كذا وكذا، وهو كاذبٌ في هذه الرؤيا، وغرضُه التلبيسُ على النّاس، بأنّه رجلٌ صالح". [محمّد علي الصابوني، الشرح المُيسّرُ لصحيح البخاري، المكتبة العصرية صيدا-بيروت، سنة 2014م، ج5 ص591].
والذي يلجأ إلى هذا النوع من الكذب، يحاولُ أنْ يستغِلَّ إيمانَ النّاسِ بالرُّؤيا، وتأثيرَها على أفكارهم وتصوّراتهم، وحياتهم المعيشية.
المسألة 4: لا يجوزُ تعبيرُ الرؤى إلاّ لمن له عِلْمٌ بها.
قال ابن عبد البر في التمهيد: "قيل لمالك رحمه الله: أَيُعَبِّرُ الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال: أبِالنّبُوة يلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يُحسنها." [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/ 288، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية-المغرب].
وجاء في كتاب «حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب» ( 2 / 660 ) :"فلا يجوز له تعبيرُها بمجرد النظر في كتاب التفسير، كما يقع الآن، فهو حرام؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأزمان، وأوصاف الرائين، ولذلك سأل رجلٌ ابنَ سيرين بأنه رأى نفسه أذَّن في النوم، فقال له: تسرق، وتُقطع يدك، وسأله آخر وقال له مثل هذا، فقال له: تحج! فوجد كلٌّ منهما ما فسره له به، فقيل له في ذلك، فقال: رأيتُ هذا سُمَيَّتُهُ حسنة، والآخر سُمَيَّتُهُ قبيحة".
وأمّا الشيخ ابن باز فإنّه قال: "لا أعلم حرجاً في قراءة كتب التفسير، ابن سيرين وغيره، كتب الأحلام يستفيد منها طالب العلم، لكن لا يعتمد عليها بل بالأدلة، لابد ينظر إلى الأدلة، ويتعلم، وينظر القرائن، وإذا أشكل عليه لا يجزم، يقول: لعل المراد كذا ..." [ https://binbaz.org.sa/fatwas/14507/ ].
المسألة 5: هل يمكن رؤية الله عزّ وجل في المنام؟
جاء في موقع ( الإسلام سؤال وجواب ): "ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى / 11] فليس يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فلا شبيه له ولا كفو له.
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها، أو الصفة التي يراها ؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى.
ويمكن أن يسمع صوتا ويقال له كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئا من المخلوقات؛ لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى". [ انظر: https://www.google.com/amp/s/islamqa.info/amp/ar/answers/14096 ].
المسألة 6: هل يمكن رُؤيةُ النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في المنام؟
قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (ومن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطانَ لا يتمثل في صورتي) [رواه البخاري].
قال ابن جُزَيّ المالكي: "وقال العلماء: لا تصِحُّ رُؤْيةُ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قطعاً إلاّ لصحابي رآه، أوْ لحَافِظٍ لِصفاتِه حتى يكونَ المثالُ الذي رآه في المنام مطابقاً لخِلْقته صلى الله عليه وسلم." [القوانين الفقهية لابن جزي، تحقيق عبد الكريم الفضيلي، دار الرشاد الحديثة- الدار البيضاء، طبع سنة 2006، الباب الثالث عشر ص 457].
وأكثر النّاسِ في هذا الزمان لا يعرفون بدقّةٍ أوصافَ النّّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ فكيف تصِحُّ رُؤْيَتُهم له -صلى الله عليه وسلم- وهم لا يعرفونه؟
وقال الشيخُ ابن باز: "ثم ليس كل من ادّعى رؤيته -صلى الله عليه وسلم- يكون صادقا، وإنما تُقْبل دعوى ذلك من الثقات المعروفين بالصدق والاستقامة على شريعة الله سبحانه".
والخلاصَةُ: لا تصِحُّ دعوى رُؤيةِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلاّ من الثقات الصادقين الذين يحفظون أوصافه.
المسألة 7: هل رُؤية النّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في المنام، إذا قال قولاً أو فَعَل فِعلاً يكون حُجَّةً؟
قال الشوكاني:"ولا يخْفَاك أنّ الشرع، الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - قد كمَّلَه اللهُ - عز وجل - وقال: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم)، ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - صلى الله عليه وسلم - إذا قال فيها بِقَوْل، أو فَعَلَ فيها فِعلْاً، يكون دليلاً وحجةً". [الشوكاني، إرشاد الفحول، ص249].
وقال العلّامة عبد الرحمن المُعَلِّمِي اليماني: "اتفق أهل العلم على أنّ الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجّة شرعية صحيحة". [التنكيل، ج2 ص242 ].
وقال ابنُ حزْم في كلمة جامعة مانِعة: "الشّرائِعُ لا تُؤخَذُ بالمنامات". [ ابن حزم، المحلى 507/6 ].
ولا شكّ أنّ هذا هو الحقُّ؛ لأنّه لو كانت الأحكامُ والشرائعُ تُؤخذ من الأحلام والرؤى، لَفُتِحَت أبوابُ الفسادِ والفوضى، وتجرّأ كثيرٌ من النّاسِ على تحليل ما حرّمَ اللّهُ تعالى؛ اِتِّباعاً لِلْهوى أوْ إرضاءً لِلْوَرَى!
وقال شيخُ الإسلام زكريا الأنصاري: "ولا يُمتَنع عقْلاً أن يُسَمّى إبليسُ باسم النّّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-؛ ليقول للنّائم: إنّهُ النّّبِيِّ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم-، ويأمره بالطاعة ليوقعه في المعصية." [المناوي، فيض القدير، ج6 ص172 ].
ولقد وقع مثلُ هذا لأحد المجتهدين في عبادة اللّهِ، وأرسل إلى أحدِ مواقع الفتوى طالباً المساعدة، فقال:"رأيت رؤيا أفزعتني فأرجو مساعدتي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءني في المنام، وقال لي: لا تُتْعِب نفسك في طاعة الله، فقد اطَّلَعْتُ على أهل النار فوجدتك منهم"!
وهذا يُبيِّنُ خطورة الشيطان في المنام، وتلاعبه بالإنسان!
تمّ البحثُ بفضلِ اللّهِ ونعمته، والحمدُ لِلّهِ ربِّ العالمين.
وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل.