Image title

د. علي بانافع

   من فوائد الحجر المنزلي (التأمل) في حِكَم الطاعات والعبادات ومقاصدها، والذي خطر على بالي وفي خاطري صفوف المصلين في الصلاة اليوم الجمعة ٢٤ شعبان ١٤٤١هـ آخر جمعة في شهر شعبان، والجمعة الخامسة منذ إغلاق الجوامع والمساجد جراء فايروس كورونا الخطير والمميت، وأيام معدودات ويهل علينا ضيف كريّم، وشهر مبارك، شهر البركات والنفحات، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ، شهر إقالة العثرات، وإجابة الدعوات، ومَحْو السيئات.

     أربعون عاما أُصلي جماعة، ولم اسأل نفسي يوما لماذا يصطف المصلون عرضيا خلف إمام واحد؟! وليس طوليا كطوابير الأسواق، والطرقات، والمولات، والمحلات ووو، للحصول على حاجيات أو شراء مستلزمات أو تأمين ضروريات وكماليات!! أربعون عاما لم اسأل نفسي يوما لماذا ينصحنا الإمام قبل كل صلاة برص الصفوف؟! وعدم ترك فرجات للشيطان، محذرا إيانا من الصف الأعوج، وناصحا بالكتف إلى جنب الكتف، والقدم بمحاذاة القدم كالبنيان المرصوص، ﻻ فرق بين أسود ولا أبيض، وأحمر واسمر، عربي واعجمي، غني وفقير، أُمي وأكاديمي اﻻ بالتقوى، وان لا نسابق الإمام في صلاته وان نتابعه ونتبعه خطوة بخطوة حذو القذة بالقذة ..

   عدم السؤال والتساؤل مقابل عدم الشرح والتوضيح وتجنب التعليل؛ كونها عبادات توقيفيات يُفسر لنا لماذا يحتدم النقاش الحاد مع الإمام عند باب الجامع مع بعض من كانوا يصلون خلفه قبل دقائق، لماذا يتجادل بعضهم فيما بينهم قبل وبعد الصلاة على ثلاجة الماء، وأماكن الأحذية -أكرمكم الله- أو نظافة الجامع ومكان الوضوء وشؤون الجامع، ذاك أني لم افهم ان الخطوط العرضية المتراصة -خطوط الشموخ والحرية- لا تكتمل صلاة الجماعة بتفرقتها واعوجاجها، ﻷنها دليل على القوة والأخوة والمنعة، بخلاف خطوط السوق، والبقالة التموينية، والمولات الطولية الأنانية -خطوط الاستعباد- والتهافت على الكماليات وحطام الدنيا الفاني!!

   الخطوط العرضية المتماسكة المتراصة، هي خطوط المعركة الأزلية بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين الخير والشر، رمضان سيهل علينا وقد {حِيلَ بَينَهُمْ وَبَيْنَ مَايَشْتَهُون} يقول ابن رجب رضي الله عنه ورحمه: (فسَّرها بعض السلف بأنَّهم اشتهوا التوبة ساعة الرحيل)، وبما أن الآية تحتمل التأويل واللفظ عام تذكرتها بمجرد تواتر الأنباء عن غلق الجوامع في رمضان ومنع الصلوات والتروايح والقيام وكل النشاطات الرمضانية، وتذكرت كم النعم التي كنا نرفل ونتقلب فيها ولم نحس أو نشعر بها !!