الموتُ في سبيل الله.. حياة أخرى!
خرج عُقبة بنُ نَافع في إِحدَى غَزواتهِ بعشرة آلاف، ليواجه ثمانين ألفًا منَ الرُّوم، فقالت لهُ زَوجته: أَينَ أَجدكَ إذَا حَمِيَ الوَطيسُ؟ قالَ: بِخيمَة قائدِ الرُّوم أوْ في الجنَّة!
من كانَ همُّهُ أن يموتَ في سبيلِ الله تعالى، عَدِمَ الخوفَ منَ المهالكِ كائنًا ما كانت، ومن كانَ همُّهُ أن يُعمَّر في الأرض حسِبَ كلَّ صيحةٍ عليه، فتراهُ يخافُ من ظلِّهِ وما هكذَا يُصنعُ العُظماء.
ﻃﻠﺐ فقيهٌ من صلاحِ الدِّين ألَّا ﻳُﺨﺎﻃﺮ ﺑِﻨﻔﺴﻪ ﻓِﻲ الغزو ﻓَﺴﺄﻟﻪُ: ﻣَﺎ أشرف الميتات؟! فقال: الموت في سبيل الله. فقال صلاح الدِّين: غاية ما في الباب أنْ أموت أشرف الميتات!
القضيَّة محسومة، من أرادَ العَظمةَ اجتثَّ حُبَّ الحياةِ من قلبهِ؛ لأن حُبَّ الحياةِ يُعوِّدُ صاحبهُ علي الجُبن، ولَا يكونُ العظيمُ جبانًا.
{ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} [الأنعام: 02]: قضية تاريخ موتكَ محسومة قبل أن تولد، فلا تترك الجبن يُثنيك عن دركِ المطالب، ولا تعتقد أن الهروب من الموت يزيدُ من حياتكَ؛ لأن الهروبَ من الموتِ هروبٌ إليه.
_ يسأل الكثير من الناس: لماذا يجبن الإنسان؟
_ لأنه يخاف الموت، لولَا الخَوفُ منَ المَوت، لصَار كلُّ النَّاس شُجعانًا؛ ولذلك كانَ حبُّ الموتِ سمةُ الأنبياء، كونهم يعلمونَ أنَّ أوَّل محطةٍ للقاءِ الله هي الموت، قالَ تعالى علي لِسانِ يُوسُف: {رَبِّ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف: 101] طَلَبَ اللِّقاءَ لأنَّ الدنيا مُوحشة، فلَا تَأنسوا بِالدُّنيا، فَتخشَوْنَ المَوت بعدَها.
ثم اعلم علَّمك الله أنَّ أول خُطوة في طريق الجنة، أن يُدركَ المُسلم أن الله تعالى لم يجعل الدنيا هي كلّ حياته؛ لذلك كن جاهزًا للموت حتَّى لا يكونَ موتك بشعًا.
_ أتدري لماذا يعتبر الموت أفظع رحيل يُصيب الإنسان؟
_ لأنه يأتي فجأة من غير أن تتهيأ له بحمل أمتعتك.
اللهمَّ إنَّا نَعوذ بكَ من خَبر الفَجأة وَفَجْعة الخَبر، ونَسألكَ الثَّبات عِندمَا تَزلُّ الأقدامُ، ونَعوذ بكَ منَ التَّراجع عندمَا يلزمُ الإِقدام.
اللهمَّ إنَّا نسألكَ حياةً لا نتمنَّى فيهَا المَوت خلَاصًا منَ الحيَاة، بلْ رَغبةً في لِقائكَ.
#محمد_خمفوسي
نص مقتبس من كتابي: #الخروج_من_عنق_الزجاجة.