Image title
المحامـاة وعدو السـامية... شكسبير "تاجر البندقية"بقلــــم د. طــارق رضـــوان

تشير المؤرخة المسرحية المتخصصة، ربيكا براون، إلى أن الكثير من الأساطي والأعمال وأنواع حكايا الفولكلور القديم في العالم، تناولت موضوع المقايضة بجزء من لحم الإنسان كضمان. ومن تلك القصص قصة سير جيوفاني فيورينتينو في مجموعته القصصية "الخروف الكبير".

عدد كبير من الأعمال الأدبية، بات مضرب مثل أو رمزا للحكمة، أخذ الناس يستشهدون به وبأبطاله، في حياتهم اليومية، لتوصيف حالة أو شخصية ما، ومن ضمن هذه الأعمال: "دائرة الطباشير القوقازية" لبرترولد بريخت، "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت.

إضافة إلى مسرحية "تاجر البندقية" لوليام شكسبير، حيث شايلوك اليهودي، يصر على تنفيذ العقد، خاصة وأن حقده على المسيحيين تنامى بعد أن هربت ابنته مع الشاب لورنزو، وأخذا معهما مبلغاً كبيراً من ماله، إلى جانب خاتم ثمين أهدته إليه زوجته الراحلة. وعليه، سرعان ما يطلب أنطونيو إلى المحكمة.

وتتبدى بجلاء نوايا شايلوك في محكمة دوق فينيسيا، حيث يرفض استلام قيمة القرض المضاعفة التي قدمها بسانيو بعد زواجه، ويطالب بحقه في رطل من لحم أنطونيو. وكان شايلوك يتحدث معتقداً أنه حقق لحظة الانتقام التي كان يحلم بها.

ونتبين أنه يتمنى الدوق إنقاذ أنطونيو لكنه لا يستطيع الإخلال بنص العقد، فيحول القضية إلى زائر يقدم نفسه بصفته، بالثازار، الحاصل على الدكتوراه في القانون. والطريف أن هذا الزائر ليس إلا بورتيا، حبيبة بسانيو، متنكرة. ويطلب الزائر من شايلوك أكثر من مرة، إظهار الرحمة والرأفة، في خطاب بليغ.

وحينما يصر شايلوك على تنفيذ العقد، وتسمح له المحكمة بتنفيذه، يقف الزائر ويقدم إفادته، مؤكداً أن العقد يسمح لشايلوك باقتطاع اللحم وحده، دون ذرف أي قطرة من دماء أنطونيو. وعليه فإنه، إن أراق أية قطرة من دماء أنطونيو، جميع أملاكه وأمواله ستصادر، حسب قانون البندقية، وليزيد الزائر : بورتيا، من هول الصدمة على شايلوك. يضيف بأن عليه أن يقتطع رطلا واحداً، من دون زيادة أو نقصان، وإن زاد وزن اللحم، ولو بشعرة واحدة، ستصادر جميع أملاكه.

أن الصورة التي تقدمها السينما دائمًا ما تنطبع في ذهن المُشاهد، وبالتالي تُساهم في رسهم للصورة الذهنية تجاة القضايا المُختلفة؛ وهذا من شأنه يؤثرعلي سلوكياتهم،فدور السينما والمسارح والأدب، بصوره المختلفة، تلعب دورا هاما في تشكيل الوعي العام للجماهير.

ولذلك ظهرت نظرية الغرس الثقافي من أجل دراسة تأثيرالأوساط الإعلامية المُختلفة، ولكن بالتركيز علي السينما والتليفزيون؛ نظرًا لتعرض الجماهيرلهم بشكل يومي. وأصبحت السينما من خلال الغرس الثقافي المصدرالرئيسي لنمو تصورات الأفراد، وتشكيل معرفتهم عن الواقع المُعايش، وبهذا أصبح هناك علاقة واضحة بين الغرس الثقافي والسينما في التأثيرعلي كافة الأطراف في المجتمع.

وهناك اعتقاد خاطئ راسخ عند بعض الناس مفاده إن مهنة المحاماة آثم من يمارسها. وردا على ذلك الإعتقاد نجد أنه في قصة سيدنا موسي عندما كان خائف من قومه لأنه قتل منهم نفسا أرسل الله معه أخيه هارون لأنه أفصح منه لسانآ. أيوجد مثال أوضح من ذلك علي تجسيد لمهنة المحاماة ؟

أن حب المشتغلين بمهنة المحاماة لـ شكسبير لم يأتِ من فراغ، ذلك أنه كرّس الكثير من سطوره لمناقشة القانون أكثر من أي مهنة أخرى، حتى إن البعض يعتقد أن شكسبير من فرط ما أظهر من معرفة بخبايا القانون يبدو كما لو كان امتهن المحاماة. وكشفت دراسة متخصصة نُشرت العام الماضي أن أكثر ما يقتبس المشتغلون بالمحاماة في ساحات العدالة من أقوال مأثورة وحِكَم هي لـ شكسبير ولويس كارول، بالإضافة إلى كل من جورج أورويل وتشارلز ديكنز وأدولس هاكسلي وأيسوب.

وتنظم كلية الحقوق في جامعة هارفارد حلقة دراسية متخصصة بالكامل في «العدالة والأخلاق في مسرحيات شكسبير»، كما يُدرّس منهج «شكسبير والقانون» بجامعة «كينغز كوليج لندن» في كليات الآداب والحقوق على السواء.

هناك سببًا وجيهًا وراء تدريس الأدب في كليات الحقوق، لأنه يمثل فرصة لدراسة القانون من منظور شكسبير وديكنز وكافكا وغيرهم، بهدف مساعدة الدارسين في أن يصبحوا محامين أكفاء ذوى خلق.

تعتبر شخصية "المحامي" من أكثر الشخصيات الثرية دراميًا فى السينما المصرية، ولمع عدد من نجوم الفن في تجسيد شخصية المحامي، الذي قدمته السينما تارة "فاسد" يستغل ثغرات القانون، وتارة أخرى محامي نزيه يعتز بشرف مهنة المحاماة.

ومن أبرز الفنانين الذين جسدوا شخصية المحامي: عادل إمام.."حسن سبانخ"، أحمد زكي.. "مصطفى خلف"، فاتن حمامة.. "أستاذة فاطمة"، إبراهيم سعفان.. "المحامي الفصيح"، شكري سرحان.. "سمير أحمد"، محمود المليجي.. "جاك فيرجيس"، مديحة يسري.. "الأفوكاتو مديحة"، ليلى طاهر.. "عنايات عبد الحميد"، أحمد عز.. "أدهم" و محمد سعد.. "اللمبي".