20 شعبان 1441 هـ
14 أفريل 2020 م
الصلاة هي صلة بين العبد وربِّه، ومعنى أنها صِلة يُفيد هذا أنَّ علاقة المخلوق بخالقه في صحَّة جيِّدة؛ بحيث لا يُمكن للفحشاء والمنكر أنْ تجد طريقًا إليه، مصداقًا لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
إلى زمن قريب كانت أركان الإسلام الخمسة لصيقة بالمسلم؛ بحيث لمَّا يقال لكَ: هذا مسلم، تفهم جليًّا أنه (يصلي، ويصوم، ويُزكِّي، ويحج..)، من غير أنْ يُداخلك الشكُّ أنه مفصول عن إحدى هذه الأركان الخمسة
لكن ظهر بعد ذلك أناس فصلوا بين المسلم وأركان الإسلام، فصار يُقال: (هذا مسلم، لكنه لا يُصلِّي، أو لا يصوم رمضان، أو لا يُزكِّي، أو لا يحجُّ بيت الله تعالى رغم استطاعته..)!
والغريب في الأمر أننا لم نستهجن هذا الفصل كما ينبغي، بل إنَّه لا يوجد عاقل يُمكن أنْ يقول لكَ: (هذا إنسان على قيد الحياة، لكنه لا يتنفس)
بينما تجد من يقول لكَ: (هذا مسلم، لكنه يُخلُّ بركن من أركان الإسلام، أو ربما بالأركان الخمسة خلا الشهادتين)!
نحن لحدِّ الآن لا نفهم بعد أنَّ المسلم لا يمكن أنْ يكون مسلمًا وهو لا يؤدي أركان إسلامه!
هناك خلل دِيني يحدث في فهمنا للإسلام، وهذا الخلل ينبغي أنْ يُعالج!
قد يقول قائل:
_ أؤمن أنَّ الصلاة هي عماد الدِّين، لكنني لا أجد حيلة كيْ أواظب عليها؟!
بمعنى آخر: هو يسألكَ:
_ ما هي أفضل طريقة للحفاظ على الصلاة؟
والجواب سهل جدًّا:
يكفي حينما تسمع نداء المؤذِّن يقول: (الله أكبر)، أنْ تُصغِّر كلَّ شيء أمامكَ، وتُقبل إلى سجادتكَ.. فإنَّ الله تعالى هو من قال لكَ: (حيَّ على الصلاة)!
وربما بلغكَ حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها)، ومع ذلك لا تُصلِّيها في وقتها!
هل أنتَ مستوعب معنى أنَّ أحبَّ عمل عند الله تعالى تقوم به هو الصلاة على وقتها؟!
لذلك عُدَّتْ أفضل طريقة للمواظبة على الصلاة، هي الذهاب إليها فور رفع الأذان، أمَّا الشغل الذي بيديكَ فلن يهربَ منكَ، بل قد يُبارك الله في وقتكَ بعدها بمجرَّد ترك ما في يديكَ لأجل الصلاة.
قال ابن معين عن إبراهيم بن ميمون الِمرْوزي –وهو أحد الدعاة المحدثين الثقات من أصحاب عطاء بن أبي رباح، وكانت مهنته الصياغة وطَرْق الذَّهب والفضة-: (كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردَّها)!
قمَّة في تلبية النداء التكبيري..
وقيل لكثير بن عُبيد الحمصي عن سبب عدم سهوه في الصلاة قَطٍّ -وقد أَمَّ أهل حمص ستين سنة كاملة- فقال: [ما دخلتُ من باب المسجد قط وفي نفسي غير الله]!
كان الله تعالى في قلوبهم عظيمًا
وإذا استحضروه غاب عنهم كل حاضر
وإذا كبَّروه صغر كل كبير..
هل أنتَ مستوعب معنى أنْ يقول الله تعالى لكَ: (حيَّ على الصلاة)، ولا تستجب للنداء؟!
لو أنَّ أمك أو أباك نادياكَ ولم تستجب لندائهما ألا يُشعركَ ذلك بالعقوق وعظم الذنب؟! هذا وهما مخلوقان من مخلوقات الله تعالى، فكيف بنداء الخالق الذي لم يُخلَق.. –ولله المثل الأعلى-؟!
أخيَّ!
ما مِن دقيقة تُسَوِّفها من وقت الصلاة، تُغريك بزيادة دقيقة أخرى.. والدقيقة مع الدقيقة ساعة، والساعة مع الساعة يوم، واليوم مع اليوم أسبوع.. وهلمَّ جرًّا.
إنَّ جلَّ الذين تركوا الصلاة بعد أن كانوا يواظبون عليها إنَّما تركوها بالتدريج..
فمرة يُصلِّي الصبح على الساعة العاشرة صباحًا
ومرة يُصلِّيه مع الظهر
ومرة يجمع الصلوات الخمس في الفريضة الخامسة..
ومرة تفوته صلوات يوم كامل..
وهكذا إلى أنْ يتخلَّى عنها كليًّا بعد أنْ تُثقل عليه!
ولو تأملتَ معي ههنا: لوجدتَ أنَّ تأخير فريضة واحدة فقط، من شأنه أنْ يزاحم الفريضة الثانية في وقتها
ومزاحمة الفرائض في الوقت يقود إلى جمع الصلوات –وهي في الأصل متفرقة على خمسة أوقات- في وقت واحد! وهكذا يجد ثقلًا على كاهله!
وقبل أنْ تشرع في تطبيق قاعدة (الاستجابة الفورية للنداء) ينبغي لكَ أنْ تفهم (المعاني الروحية للصلاة)، ولا تقتصر فقط على معرفة أنها (عبادة مفروضة عليكَ)!
فإنَّ زيادة المعاني والمقاصد الشرعية من الأحكام الشرعية يُمكِّنكَ مِن الثبات على أدائها!
ومن مقاصد الصلاة تحقيق (الراحة النفسية)!
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر وضاق صدره فزع إلى الصلاة.
وما أكثر ما كان يقول: (أرحنا بالصلاة يا بلال).
مفهوم أنَّ الصلاة راحة يجب أنْ يُغرس في ذهنكَ كما هو مغروس أنَّ شرب الماء يُذهب الظمأ، وأكل الطعام يُذهب الجوع..
والصلاة طعام روحي، مثلما أنَّ الطعام المعروف قوت لجسدكَ، وهذا ما ينبغي لكَ أنْ تعيه!
نعلم جميعًا أنَّ الكل يبحث عن السعادة، لكن ينبغي أنْ نعترف أننا لن نجدها إلَّا إذا كانت بيننا وبين الصلاة [صلة رحم خُماسية]
فهذا نبي الله -النعمة المهداة، والرحمة المسداة- يقول: (جُعلت قرة عيني في الصلاة).
وكانت آخر ابتسامة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا: ابتسامته للصلاة، وذلك لمَّا كشف ستر الحُجرة يوم الاثنين، فرأى أبا بكر يَــــؤُمُّ الصفوف!
هل أنتَ مستوعب ما معنى أنْ يُغادر النبي صلى الله عليه وسلم الحياة وهو مبتسم عند رؤيته لصحابته يؤدُّون الصلاة؟!
فيا حظ من ذاق نعيم الصلاة، فأدَّاها راحة بها لا راحة منها، ولِلَّهِ دَرُّه مِن رجل عرف طريق السعادة فسلكه.
والصلاة مفتاح لمغاليقكَ..
فهل أنت مستوعب لمعنى أنَّ الصلاة مفتاح لحل مشاكلك الشخصية والغيرية؟!
وأنكَ لو ألممتَ بذنب، أو خطأ فينبغي لكَ أنْ تستدرك أمركَ بالركوع إلى الله تعالى؟!
إنَّ داود عليه السلام لمَّا جاءه الخصم يختصمان في النِّعاج انتبه واستدرك، ووصف الله تعالى انتباهه فقال: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25)} [ص: 24/25].
يجب أن تضع ببالك أنَّك بترك الصلاة قد قصصت الشريط الروحي الذي بينكَ وبين الله تعالى
وأنكَ بهذه الحال لا أحد يجزم بكُفركَ، ولكن أيقن أنَّ الكثير مِن العلماء اختلفوا في صحَّة إسلامكَ، ويكفي عيبًا وأنت مسلم أنْ تُقحم نفسكَ في مثل هذا الاختلاف، وهو بلا شك اختلاف خطير!
ناهيك عن اختلافهم فيك من حيث الأكل والشرب معكَ
والاختلاف في تزويجكَ..
يقول الإمام الحسن البصري: [إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم قد كبَّلتك الخطايا والآثام]..
ولك أن تتأمَّل في قوله جيِّدًا، قال: [إذا لم تقدر] ولم يقل: [إذا لم تقم الليل، ولم تصم النهار..]
بمعنى أنَّ حتى عدم قدرتكَ عن القيام والصيام ليس لها عذر عند الإمام الحسن البصري إلَّا لكون الذنوب قد ربطتكَ عن فعل ذلك!
فسبحان الله!
إنْ كان هذا توصيفه لمن لم يقدر على قيام الليل، وهو مستحب وليس بواجب..
فكيف كان يكون توصيفه لو علم أنَّ بيننا مَن لا يُصلي الفرائض؟!
الأرض ملئية بالماء الطهور، ومع ذلك لا تتوضَّأ!
الأرض كلُّها لك مسجدًا، ومع ذلك لا تُصلِّي!
لديك خمس صلوات مفروضة فقط في 24 ساعة، ومع ذلك ليس لديك وقت لذلك!
تعيش في أمان ولست في حرب، ومع ذلك لا تُرى مُصليًّا، كان عَمرو بن دينار -رضي الله عنه- يقول: [ما رأيتُ مصليًّا أحسن صلاة من ابن الزبير، وكان يصلي في الحِجْر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه، فما يلتفت إليه]!
إن كنتَ لم تُصلِّ من قبل فابدأها الآن..
وإن كنتَ تُصلي، ثم تركتها، فعُد إليها الآن..
وإن كنتَ مصليًّا، لكنك لا تصلِّيها في وقتها، فصلِّها الآن..
لأن الشروع في تصحيح أخطائكَ بعد ارتكابها، خير مِن التمادي فيها!
وأيقن -بعد فوات ما فاتكَ من الصلاة- أنَّ الشيء المهم بالنسبة لك الآن هو (البدء بالصلاة)
ولا تُركِّز على السنوات التي فاتك دون صلاة
ولا في تفريطك في سِنِّ وجوبها عليكَ..
فإنَّ مقامكَ مقام توبة وتصحيح، لا مقام تقريع وتجريح!
وعسى الله تعالى يغفر لكَ ما مضى بحسن عملكَ فيما هو آت..
وإنَّ الحسنات يُذهبن السيئات..